ثم اعترفوا جميعاً بأنهم تجاوزوا الحد بقوله ﴿ قَالُوا يَـاوَيْلَنَآ إِنَّا كُنَّا طَـاغِينَ ﴾ [القلم : ٣١] بمنع حق الفقراء وترك الاستثناء ﴿ عَسَى رَبُّنَآ أَن يُبْدِلَنَا ﴾ [القلم : ٣٢] وبالتشديد : مدني وأبو عمرو ﴿ خَيْرًا مِّنْهَآ ﴾ [القلم : ٣٢] من هذه الجنة ﴿ إِنَّآ إِلَى رَبِّنَا رَاغِبُونَ ﴾ [القلم : ٣٢] طالبون منه الخير راجون لعفوه.
عن مجاهد : تابوا فأبدلوا خيراً منها.
وعن ابن مسعود رضي الله عنه : بلغني أنهم أخلصوا فأبدلهم بها جنة تسمى الحيوان فيها عنب يحمل البغل منه عنقوداً ﴿ كَذَالِكَ الْعَذَابُ ﴾ [القلم : ٣٣] أي مثل ذلك العذاب الذي ذكرناه من عذاب الدنيا لمن سلك سبيلهم ﴿ وَلَعَذَابُ الاخِرَةِ أَكْبَرُ ﴾ [الزمر : ٢٦] أعظم منه ﴿ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ ﴾ [البقرة : ١٠٢] لما فعلوا ما يفضي إلى هذا العذاب.
ثم ذكر ما عنده للمؤمنين فقال :
جزء : ٤ رقم الصفحة : ٤١١
﴿ إِنَّ لِلْمُتَّقِينَ ﴾ [القلم : ٣٤] عن الشرك ﴿ عِنْدَ رَبِّهِمْ ﴾ [فاطر : ٣٩] أي في الآخرة ﴿ جَنَّـاتِ النَّعِيمِ ﴾ [المائدة : ٦٥] جنات ليس فيها إلا التنعم الخالص بخلاف جنات الدنيا ﴿ أَفَنَجْعَلُ الْمُسْلِمِينَ كَالْمُجْرِمِينَ ﴾ [القلم : ٣٥] استفهام إنكار على قولهم لو كان ما يقول محمد حقاً فنحن نعطي في الآخرة خيراً مما يعطي هو ومن معه كما في الدنيا.
فقيل لهم : أنحيف في الحكم فنجعل المسلمين كالكافرين؟ ثم قيل لهم على طريقة الالتفات ﴿ مَا لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ ﴾ [القلم : ٣٦] هذا الحكم الأعوج وهو التسوية بين المطيع والعاصي، كأن أمر الجزاء مفوض إليكم حتى تحكموا فيه بما شئتم ﴿ أَمْ لَكُمْ كِتَـابٌ ﴾ [القلم : ٣٧] من السماء ﴿ فِيهِ تَدْرُسُونَ ﴾ [القلم : ٣٧] تقرؤون في ذلك الكتاب إنّ لكم فيه لما تخيّرون } أي إن ما تختارونه وتشتهونه لكم.
والأصل
٤١٣
تدرسون أن لكم ما تخيرون بفتح " أن " لأنه مدروس لوقوع الدرس عليه، وإنما كسرت لمجيء اللام، ويجوز أن يكون حكاية للمدروس كما هو كقوله :﴿ نُوحٌ ﴾ (الصافات : ٩٧).
وتخير الشيء واختاره أخذ خيره ﴿ أَمْ لَكُمْ أَيْمَـانٌ عَلَيْنَا ﴾ [القلم : ٣٩] عهود مؤكدة بالأيمان ﴿ بَـالِغَةٌ ﴾ نعت ﴿ أَيْمَـانٌ ﴾ ويتعلق ﴿ إِلَى يَوْمِ الْقِيَـامَةِ ﴾ [القلم : ٣٩] ببالغة أي أنها تبلغ ذلك اليوم وتنتهي إليه وافرة لم تبطل منها يمين إلى أن يحصل المقسم عليه من التحكيم، أو بالمقدر في الظرف أي هي ثابتة لكم علينا إلى يوم القيامة لا تخرج من عهدتها إلا يومئذ إذا حكمناكم وأعطيناكم ما تحكمون ﴿ إِنَّ لَكُمْ لَمَا تَحْكُمُونَ ﴾ [القلم : ٣٩] به لأنفسكم وهو جواب القسم لأن معنى ﴿ أَمْ لَكُمْ أَيْمَـانٌ عَلَيْنَا ﴾ [القلم : ٣٩] أم أقسمنا لكم بأيمان مغلظة متناهية في التوكيد.
جزء : ٤ رقم الصفحة : ٤١١
﴿ سَلْهُمْ ﴾ أي المشركين ﴿ أَيُّهُم بِذَالِكَ ﴾ [القلم : ٤٠] الحكم ﴿ زَعِيمٌ ﴾ كفيل بأنه يكون ذلك ﴿ أَمْ لَهُمْ شُرَكَآءُ ﴾ [الشورى : ٢١] أي ناس يشاركونهم في هذا القول ويذهبون مذهبهم فيه ﴿ فَلْيَأتُوا بِشُرَكَآ ـاِهِمْ إِن كَانُوا صَـادِقِينَ ﴾ [القلم : ٤١] في دعواهم يعني أن أحداً لا يسلم لهم هذا ولا يساعدهم عليه كما أنه لا كتاب لهم ينطق به، ولا عهد به عند الله، ولا زعيم لهم يضمن لهم من الله بهذا ﴿ يَوْمَ يُكْشَفُ عَن سَاقٍ ﴾ [القلم : ٤٢] ناصب الظرف ﴿ فَلْيَأتُوا ﴾ أو " اذكر " مضمراً.
والجمهور على أن الكشف عن الساق عبارة عن شدة الأمر وصعوبة الخطب، فمعنى ﴿ يَوْمَ يُكْشَفُ عَن سَاقٍ ﴾ [القلم : ٤٢] يوم يشتد الأمر ويصعب ولا كشف ثمة ولا ساق، ولكن كنى به عن الشدة لأنهم إذا ابتلوا بشدة كشفوا عن الساق، وهذا كما نقول : للأقطع الشحيح يده مغلولة، ولا يد ثمة ولا غل، وإنما هو كناية عن البخل.
وأما من شبه فلضيق عطنه وقلة نظره في علم البيان، ولو كان الأمر كما زعم المشبه لكان من حق الساق أن تعرف
٤١٤