لأنها ساق معهودة عنده ﴿ وَيُدْعَوْنَ ﴾ أي الكفار ثمة ﴿ إِلَى السُّجُودِ ﴾ [القلم : ٤٢] لا تكليفا ولكن توبيخاً على تركهم السجود في الدنيا ﴿ فَلا يَسْتَطِيعُونَ ﴾ [القلم : ٤٢] ذلك لأن ظهورهم تصير كصياصي البقر لا تنثني عند الخفض والرفع ﴿ خَـاشِعَةً ﴾ ذليلة حال من الضمير في ﴿ يُدْعَوْنَ ﴾ ﴿ أَبْصَـارُهُمْ ﴾ أي يدعون في حال خشوع أبصارهم ﴿ تَرْهَقُهُمْ ذِلَّةٌ ﴾ [المعارج : ٤٤] تغشاهم صغار ﴿ وَقَدْ كَانُوا يُدْعَوْنَ ﴾ [القلم : ٤٣] على ألسن الرسل ﴿ إِلَى السُّجُودِ ﴾ [القلم : ٤٢] في الدنيا ﴿ وَهُمْ سَـالِمُونَ ﴾ [القلم : ٤٣] أي وهم أصحاء فلا يسجدون فلذلك منعوا عن السجود ثمّ.
جزء : ٤ رقم الصفحة : ٤١١
﴿ فَذَرْنِى ﴾.
يقال : ذرني وإياه أي كله إليّ فإني أكفيكه ﴿ وَمَن يُكَذِّبُ ﴾ [القلم : ٤٤] معطوف على المفعول أو مفعول معه ﴿ بِهَـاذَا الْحَدِيثِ ﴾ [الكهف : ٦] بالقرآن، والمراد كل أمره إليّ خل بيني وبينه فإني عالم بما ينبغي أن يفعل به، مطيق له، ولا تشغل قلبك بشأنه وتوكل عليّ في الانتقام منه، تسلية لرسول الله صلى الله عليه وسلّم وتهديد للمكذبين ﴿ سَنَسْتَدْرِجُهُم ﴾ سندنيهم من العذاب درجة درجة.
يقال : استدرجه إلى كذا أي استنزله إليه درجة فدرجة حتى يورطه فيه، واستدراج الله تعالى العصاة أن يرزقهم الصحة والنعمة فيجعلون رزق الله ذريعة إلى ازياد المعاصي ﴿ مِّنْ حَيْثُ لا يَعْلَمُونَ ﴾ [الأعراف : ١٨٢] من الجهة التي لا يشعرون أنه استدراج.
قيل : كلما جددوا معصية جددنا لهم نعمة وأنسيناهم شكرها.
قال عليه السلام " إذا رأيت الله تعالى ينعم على عبد وهو مقيم على معصيته فاعلم أنه مستدرج وتلا الآية " (١) ﴿ وَأُمْلِى لَهُمْ ﴾ [الأعراف : ١٨٣] وأمهلهم ﴿ إِنَّ كَيْدِى مَتِينٌ ﴾ [الأعراف : ١٨٣] قوي شديد فسمى إحسانه وتمكينه كيداً كما سماه استدراجاً لكونه في صورة الكيد حيث كان سبباً للهلاك.
والأصل أن معنى الكيد والمكر والاستدراج هو الأخذ من جهة الأمن، ولا يجوز أن يسمى الله كائداً وماكراً ومستدرجاً.
جزء : ٤ رقم الصفحة : ٤١٥
﴿ أَمْ تَسْـاَلُهُمْ ﴾ [الطور : ٤٠] على تبليغ الرسالة ﴿ أَجْرًا فَهُم مِّن مَّغْرَمٍ ﴾ [الطور : ٤٠] غرامة ﴿ مُّثْقَلُونَ ﴾ فلا
٤١٥
يؤمنون استفهام بمعنى النفي أي لست تطلب أجراً على تبليغ الوحي فيثقل عليهم ذلك فيمتنعوا لذلك ﴿ أَمْ عِندَهُمُ الْغَيْبُ ﴾ [الطور : ٤١] أي اللوح المحفوظ عند الجمهور ﴿ فَهُمْ يَكْتُبُونَ ﴾ [الطور : ٤١] منه ما يحكمون به ﴿ فَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ ﴾ [الإنسان : ٢٤] وهو إمهالهم وتأخير نصرتك عليهم لأنهم وإن أمهلوا لم يهملوا ﴿ وَلا تَكُن كَصَاحِبِ الْحُوتِ ﴾ [القلم : ٤٨] كيونس عليه السلام في العجلة والغضب على القوم حتى لا تبتلى ببلائه.
والوقف على الحوت لأن " إذ " ليس بظرف لما تقدمه، إذ النداء طاعة فلا ينهى عنه بل مفعول محذوف أي اذكر ﴿ إِذْ نَادَى ﴾ [الأنبياء : ٨٣] دعا ربه في بطن الحوت ﴿ لا إِلَـاهَ إِلا أَنتَ سُبْحَـانَكَ إِنِّى كُنتُ مِنَ الظَّـالِمِينَ ﴾ [الأنبياء : ٨٧] (الأنبياء : ٧٨) ﴿ وَهُوَ مَكْظُومٌ ﴾ [القلم : ٤٨] مملوء غيظاً من كظم السقاء إذا ﴿ لَّوْلا أَن تَدَارَكَهُ نِعْمَةٌ ﴾ [القلم : ٤٩] رحمة ﴿ مِّن رَّبِّهِ ﴾ [الرعد : ٧] أي لولا أن الله أنعم عليه بإجابة دعائه وقبول عذره ﴿ لَنُبِذَ ﴾ من بطن الحوت بالفضاء ﴿ بِالْعَرَآءِ وَهُوَ مَذْمُومٌ ﴾ [القلم : ٤٩] معاتب بزلته لكنه رحم فنبذ غير مذموم ﴿ فَاجْتَبَـاهُ رَبُّهُ ﴾ [القلم : ٥٠] اصطفاه لدعائه وعذره ﴿ فَجَعَلَهُ مِنَ الصَّـالِحِينَ ﴾ [القلم : ٥٠] من المستكملين لصفات الصلاح ولم يبق له زلة.
وقيل : من الأنبياء.
وقيل : من المرسلين.
والوجه هو الأول لأنه كان مرسلاً ونبياً قبله لقوله تعالى :﴿ الْمَشْحُونِ ﴾ (الصافات : ٠٤١).
الآيات.
﴿ وَإِن يَكَادُ الَّذِينَ كَفَرُوا لَيُزْلِقُونَكَ بِأَبْصَـارِهِمْ ﴾ [القلم : ٥١] وبفتح الياء : مدني.
" إن " مخففة من الثقيلة واللام علمها.
زلقة وأزلقة أزاله عن مكانه أي قارب الكفار من شدة نظرهم إليك شزراً بعيون العداوة أن يزيلوك بأبصارهم عن مكانك، أو يهلكوك لشدة حنقهم عليك.
وكانت العين في بني أسد فكان الرجل منهم يتجوع ثلاثة أيام فلا
٤١٦


الصفحة التالية
Icon