يمر به شيء فيقول فيه : لم أر كاليوم مثله إلا هلك.
فأريد بعض العيّانين على أن يقول في رسول الله مثل ذلك فقال : لم أر كاليوم مثله رجلاً فعصمه الله من ذلك.
وفي الحديث :" العين حق وإن العين لتدخل الجمل القدر والرجل القبر " (١).
وعن الحسن : رقية العين هذه الآية :﴿ لَمَّا سَمِعُوا الذِّكْرَ ﴾ [القلم : ٥١] القرآن ﴿ وَيَقُولُونَ ﴾ حسداً على ما أوتيت من النبوة ﴿ إِنَّهُ لَمَجْنُونٌ ﴾ [القلم : ٥١] إن محمداً لمجنون حيرة في أمره وتنفيراً عنه ﴿ وَمَا هُوَ ﴾ [القلم : ٥٢] أي القرآن ﴿ إِلا ذِكْرٌ ﴾ [يوسف : ١٠٤] وعظ ﴿ لِّلْعَـالَمِينَ ﴾ للجن والإنس يعني أنهم جننوه لأجل القرآن وما القرآن إلا موعظة للعالمين، فكيف يجنن من جاء بمثله؟ وقيل : لما سمعوا الذكر ـ أي ذكره عليه السلام ـ وما هو ـ أي محمد عليه السلام ـ إلا ذكر شرف للعالمين فكيف ينسب إليه الجنون؟
٤١٧
سورة الحاقة
إحدى وخمسون آية مكية

بسم الله الرحمن الرحيم

﴿ الْحَآقَّةُ ﴾ الساعة الواجبة الوقوع الثابتة المجيء التي هي آتية لا ريب فيها، من حق يحق بالكسر أي وجب ﴿ مَا الْحَآقَّةُ ﴾ [الحاقة : ٢] مبتدأ وخبر وهما خبر ﴿ الْحَآقَّةُ ﴾ والأصل الحاقة ما هي أي أيّ شيء هي تفخيماً لشأنها وتعظيماً لهو لها أي حقها أن يستفهم عنها لعظمها، فوضع الظاهر موضع الضمير لزيادة التهويل ﴿ وَمَآ أَدْرَاـاكَ ﴾ [الحاقة : ٣] وأي شيء أعلمك ﴿ مَا الْحَآقَّةُ ﴾ [الحاقة : ٢] يعني أنك لا علم لك بكنهها ومدى عظمها، لأنه من العظم والشدة بحيث لا تبلغه دراية المخلوقين.
و " ما " رفع بالابتداء و ﴿ أَدْرَاـاكَ ﴾ الخبر، والجملة بعده في موضع نصب لأنها مفعول ثانٍ لـ " أدرى " ﴿ كَذَّبَتْ ثَمُودُ وَعَادُ بِالْقَارِعَةِ ﴾ [الحاقة : ٤] أي بالحاقة فوضعت القارعة موضعها لأنها من أسماء القيامة، وسميت بها لأنها تقرع الناس بالأفزاع والأهوال.
ولما ذكرها وفخمها أتبع ذكر ذلك ذكر من كذب بها وما حل بهم بسبب التكذيب تذكيراً لأهل مكة وتخويفاً لهم من عاقبة تكذيبهم.
٤١٨
جزء : ٤ رقم الصفحة : ٤١٨
﴿ فَأَمَّا ثَمُودُ فَأُهْلِكُوا بِالطَّاغِيَةِ ﴾ [الحاقة : ٥] بالواقعة المجاوزة للحد في الشدة.
واختلف فيها فقيل الرجفة، وقيل الصيحة، وقيل الطاغية مصدر كالعافية أي بطغيانهم، ولكن هذا لا يطابق قوله ﴿ وَأَمَّا عَادٌ فَأُهْلِكُوا بِرِيحٍ ﴾ [الحاقة : ٦] أي بالدبور لقوله صلى الله عليه وسلّم :" نصرت بالصبا وأهلكت عاد بالدبور ".
﴿ صَرْصَرٍ ﴾ شديدة الصوت من الصرة الصيحة، أو باردة من الصر كأنها التي كرر فيها البرد وكثر فهي تحرق بشدة بردها ﴿ عَاتِيَةٍ ﴾ شديد العصف أو عتت على خزانها فلم يضبطوها بإذن الله غضباً على أعداء الله ﴿ سَخَّرَهَا ﴾ سلطها ﴿ عَلَيْهِمْ سَبْعَ لَيَالٍ وَثَمَـانِيَةَ أَيَّامٍ ﴾ [الحاقة : ٧] وكان ابتداء العذاب يوم الأربعاء آخر الشهر إلى الأربعاء الأخرى ﴿ حُسُومًا ﴾ أي متتابعة لا تنقطع جمع حاسم كشهود تمثيلاً لتتابعها بتتابع فعل الحاسم في إعادة الكي على الداء بعد أخرى حتى ينحسم، وجاز أن يكون مصدراً أي تحسم حسوماً بمعنى تستأصل استئصالاً ﴿ فَتَرَى ﴾ أيها المخاطب ﴿ الْقَوْمَ فِيهَا ﴾ [الحاقة : ٧] في مهابها أو في الليالي والأيام ﴿ صَرْعَى ﴾ حال جمع صريع ﴿ كَأَنَّهُمْ ﴾ حال أخرى ﴿ أَعْجَازُ ﴾ أصول ﴿ نَخْلٍ ﴾ جمع نخلة ﴿ خَاوِيَةٍ ﴾ ساقطة أو بالية ﴿ فَهَلْ تَرَى لَهُم مِّن بَاقِيَةٍ ﴾ [الحاقة : ٨] من نفس باقية أو من بقاء كالطاغية بمعنى الطغيان.
﴿ وَجَآءَ فِرْعَوْنُ وَمَن قَبْلَهُ ﴾ ومن تقدمه من الأمم ﴿ وَمَن قَبْلَهُ ﴾ [هود : ١٧] بصري وعلي أي ومن عنده من أتباعه ﴿ وَالْمُؤْتَفِكَـاتُ ﴾ قرى قوم لوط فهي ائتفكت أي انقلبت بهم ﴿ بِالْخَاطِئَةِ ﴾ بالخطأ أو بالفعلة أو بالأفعال ذات الخطأ العظيم ﴿ فَعَصَوْا ﴾ أي قوم لوط ﴿ رَسُولَ رَبِّهِمْ ﴾ [الحاقة : ١٠] لوطاً ﴿ فَأَخَذَهُمْ أَخْذَةً رَّابِيَةً ﴾ [الحاقة : ١٠] شديدة زائدة في الشدة كما زادت قبائحهم في القبح
٤١٩


الصفحة التالية
Icon