﴿ وَلَمْ أَدْرِ مَا حِسَابِيَهْ ﴾ [الحاقة : ٢٦] أي يا ليتني لم أعلم ما حسابي ﴿ يَـالَيْتَهَا ﴾ يا ليت الموتة التي متها
جزء : ٤ رقم الصفحة : ٤٢١
﴿ كَانَتِ الْقَاضِيَةَ ﴾ [الحاقة : ٢٧] أي القاطعة لأمري فلم أبعث بعدها ولم ألق ما ألقي ﴿ مَآ أَغْنَى عَنِّى مَالِيَهْ ﴾ أي لم ينفعني ما جمعته في الدنيا، فـ " ما " نفي والمفعول محذوف أي شيئاً ﴿ هَلَكَ عَنِّى سُلْطَـانِيَهْ ﴾ [الحاقة : ٢٩] ملكي وتسلطي على الناس وبقيت فقيراً ذليلاً.
وعن ابن عباس رضي الله عنهما : ضلت عني حجتي أي بطلت حجتي التي كنت أحتج بها في الدنيا فيقول الله تعالى لخزنة جهنم ﴿ خُذُوهُ فَغُلُّوهُ ﴾ [الحاقة : ٣٠] أي اجمعوا يديه إلى عنقه ﴿ ثُمَّ الْجَحِيمَ صَلُّوهُ ﴾ [الحاقة : ٣١] أي أدخلوه يعني ثم لا تصلوه إلا الجحيم وهي النار العظمى، أو نصب ﴿ الْجَحِيمَ ﴾ بفعل يفسره ﴿ صَلُّوهُ ﴾ ﴿ ثُمَّ فِى سِلْسِلَةٍ ذَرْعُهَا ﴾ [الحاقة : ٣٢] طولها ﴿ سَبْعُونَ ذِرَاعًا ﴾ [الحاقة : ٣٢] بذراع الملك.
عن ابن جريج : وقيل لا يعرف قدرها إلا الله ﴿ فَا سْلُكُوهُ ﴾ فأدخلوه.
والمعنى في تقدم السلسلة على السلك مثله في تقديم الجحيم على التصلية.
﴿ إِنَّهُ ﴾ تعليل كأنه قيل : ما له يعذب هذا العذاب الشديد؟ فأجيب بأنه ﴿ كَانَ لا يُؤْمِنُ بِاللَّهِ الْعَظِيمِ * وَلا يَحُضُّ عَلَى طَعَامِ الْمِسْكِينِ ﴾ على بذل طعام المسكين، وفيه إشارة إلى أنه كان لا يؤمن بالبعث لأن الناس لا يطلبون من المساكين الجزاء فيما يطعمونهم وإنما يطعمونهم لوجه الله ورجاء الثواب في الآخرة، فإذا لم يؤمن بالبعث لم يكن له ما يحمله على إطعامهم أي أنه مع كفره لا يحرّض غيره على إطعام المحتاجين، وفيه دليل قوي على عظم جرم حرمان المسكين لأنه عطفه على الكفر
٤٢٢
وجعله دليلاً عليه وقرينة له، ولأنه ذكر الحض دون الفعل ليعلم أن تارك الحض إذا كان بهذه المنزلة فتارك الفعل أحق.
وعن أبي الدرداء أنه كان يحض امرأته على تكثير المرق لأجل المساكين ويقول : خلعنا نصف السلسلة بالإيمان فلنخلع نصفها بهذا.
وهذه الآيات ناطقة على أن المؤمنين يرحمون جميعاً، والكافرين لا يرحمون لأنه قسّم الخلق نصفين فجعل صنفاً منهم أهل اليمين ووصفهم بالإيمان فحسب بقوله ﴿ إِنِّى ظَنَنتُ أَنِّى مُلَـاقٍ حِسَابِيَهْ ﴾ [الحاقة : ٢٠] وصنفاً منهم أهل الشمال ووصفهم بالكفر بقوله ﴿ إِنَّهُ كَانَ لا يُؤْمِنُ بِاللَّهِ الْعَظِيمِ ﴾ [الحاقة : ٣٣] وجاز أن الذي يعاقب من المؤمنين إنما يعاقب قبل أن يؤتى كتابه بيمينه ﴿ فَلَيْسَ لَهُ الْيَوْمَ هَـاهُنَا حَمِيمٌ ﴾ [الحاقة : ٣٥] قريب يرفع عنه ويحترق له قلبه ﴿ وَلا طَعَامٌ إِلا مِنْ غِسْلِينٍ ﴾ [الحاقة : ٣٦] غسالة أهل النار، فعلين من الغسل، والنون زائدة وأريد به هنا ما يسيل من أبدانهم من الصديد والدم ﴿ لا يَأْكُلُهُا إِلا الْخَـاطِـاُونَ ﴾ [الحاقة : ٣٧] الكافرون أصحاب الخطايا وخطىء الرجل إذا تعمد الذنب.
﴿ فَلا أُقْسِمُ بِمَا تُبْصِرُونَ ﴾ [الحاقة : ٣٨] من الأجسام والأرض والسماء.
جزء : ٤ رقم الصفحة : ٤٢١
﴿ وَمَا لا تُبْصِرُونَ ﴾ [الحاقة : ٣٩] من الملائكة والأرواح فالحاصل أنه أقسم بجميع الأشياء ﴿ إِنَّهُ ﴾ أي إن القرآن ﴿ لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيمٍ ﴾ [الحاقة : ٤٠] أي محمد صلى الله عليه وسلّم أو جبريل عليه السلام أي بقوله ويتكلم به على وجه الرسالة من عند الله ﴿ وَمَا هُوَ بِقَوْلِ شَاعِرٍ ﴾ [الحاقة : ٤١] كما تدعون ﴿ قَلِيلا مَّا تُؤْمِنُونَ * وَلا بِقَوْلِ كَاهِنٍ ﴾ كما تقولون ﴿ قَلِيلا مَّا تَذَكَّرُونَ ﴾ [الأعراف : ٣] وبالياء فيهما : مكي وشامي ويعقوب وسهل.
وبتخفيف الذال : كوفي غير أبي بكر.
والقلة في معنى العدم يقال : هذه أرض قلما تنبت أي لا تنبت أصلاً، والمعنى لا تؤمنون ولا تذكرون البتة ﴿ تَنزِيلٌ ﴾ هو تنزيل بياناً لأنه قول رسول نزل عليه مّن رّبّ العالمين ولو تقوّل علينا بعض الأقاويل } ولو ادعى علينا شيئاً لم نقله ﴿ لاخَذْنَا مِنْهُ بِالْيَمِينِ ﴾ [الحاقة : ٤٥] لقتلناه صبراً كما يفعل الملوك بمن يتكذب عليهم معالجة بالسخط والانتقام، فصور قتل الصبر بصورته ليكون أهول، وهو أن يؤخذ بيده
٤٢٣