﴿ إِنَّا سَمِعْنَا ﴾ [الجن : ١] وهم يقفون على آخر الآيات ﴿ اسْتَمَعَ نَفَرٌ ﴾ [الجن : ١] جماعة من الثلاثة إلى العشرة ﴿ مِّنَ الْجِنِّ ﴾ [النمل : ٣٩] جن نصيبين ﴿ فَقَالُوا ﴾ لقومهم حين رجعوا إليهم من استماع قراءة النبي صلى الله عليه وسلّم في صلاة الفجر ﴿ إِنَّا سَمِعْنَا قُرْءَانًَا عَجَبًا ﴾ [الجن : ١] عجيباً بديعاً مبايناً لسائر الكتب في حسن نظمه وصحة معانيه.
والعجب ما يكون خارجاً عن العادة، وهو مصدر وضع موضع العجيب ﴿ يَهْدِى إِلَى الرُّشْدِ ﴾ [الجن : ٢] يدعوا إلى الصواب أو إلى التوحيد والإيمان ﴿ يَهْدِى إِلَى ﴾ [الجن : ٢] بالقرآن.
ولما كان الإيمان به إيماناً بالله وبواحدنيته وبراءة من الشرك قالوا ﴿ وَلَن نُّشرِكَ بِرَبِّنَآ أَحَدًا ﴾ [الجن : ٢] من خلقه، وجاز أن يكون الضمير في ﴿ بِهِ ﴾ لله تعالى لأن قوله ﴿ بِرَبِّنَآ ﴾ يفسره.
٤٣٨
﴿ وَأَنَّهُ تَعَـالَى جَدُّ رَبِّنَا ﴾ [الجن : ٣] عظمته.
يقال : جد فلان في عيني أي عظم، ومنه قول عمر أو أنس : كان الرجل إذ قرأ البقرة وآل عمران جد فينا أي عظم في عيوننا ﴿ مَا لَهُ فِى الاخِرَةِ ﴾ زوجة ﴿ وَلا وَلَدًا ﴾ [الجن : ٣] كما يقول كفار الجن والإنس ﴿ وَأَنَّهُ كَانَ يَقُولُ سَفِيهُنَا ﴾ [الجن : ٤] جاهلنا أو إبليس إذ ليس فوقه سفيه ﴿ عَلَى اللَّهِ شَطَطًا ﴾ [الجن : ٤] كفراً لبعده عن الصواب من شطت الدار أي بعدت، أو قولاً يجوز فيه عن الحق وهو نسبة الصاحبة والولد إليه، والشطط مجاوزة الحد في الظلم وغيره ﴿ وَأَنَّا ظَنَنَّآ أَن لَّن تَقُولَ الانسُ وَالْجِنُّ عَلَى اللَّهِ كَذِبًا ﴾ [الجن : ٥] قولاً كذباً، أو مكذوباً فيه، أو نصب على المصدر إذ الكذب نوع من القول أي كان في ظننا أن أحداً لن يكذب على الله بنسبة الصاحبة والولد إليه فكنا نصدقهم فيما أضافوا إليه حتى تبين لنا بالقرآن كذبهم ؛ كان الرجل من العرب إذا نزل بمخوف من الأرض قال : أعوذ بسيد هذا الوادي من سفهاء قومه يريد كبير الجن فقال ﴿ وَأَنَّهُ كَانَ رِجَالٌ مِّنَ الانسِ يَعُوذُونَ بِرِجَالٍ مِّنَ الْجِنِّ فَزَادُوهُمْ ﴾ [الجن : ٦] أي زاد الإنس الجن باستعاذتهم بهم ﴿ رَهَقًا ﴾ طغياناً وسفهاً وكبراً بأن قالوا : سدنا الجن الإنس أو فزاد الجن الإنس رهقاً إثماً لاستعاذتهم بهم، وأصل الرهق غشيان المحظور ﴿ وَأَنَّهُمْ ﴾ وأن الجن ﴿ ظَنُّوا كَمَا ظَنَنتُمْ ﴾ [الجن : ٧] يا أهل مكة ﴿ أَن لَّن يَبْعَثَ اللَّهُ أَحَدًا ﴾ [الجن : ٧] بعد الموت أي أن الجن كانوا ينكرون البعث كإنكاركم، ثم بسماع القرآن اهتدوا وأقروا بالبعث فهلا أقررتم كما أقروا.
جزء : ٤ رقم الصفحة : ٤٣٨
﴿ وَأَنَّا لَمَسْنَا السَّمَآءَ ﴾ [الجن : ٨] طلبنا بلوغ السماء واستماع أهلها، واللمس.
٤٣٩
المس فاستعير للطلب لأن الماس طالب متعرف ﴿ فَوَجَدْنَـاهَا مُلِئَتْ حَرَسًا شَدِيدًا ﴾ [الجن : ٨] جمعاً أقوياء من الملائكة يحرسون : جمع حارس، ونصب على التمييز.
وقيل : الحرس اسم مفرد في معنى الحراس كالخدم في معنى الخدام ولذا وصف بشديد ولو نظر إلى معناه لقيل شداداً ﴿ وَشُهُبًا ﴾ جمع شهاب أي كواكب مضيئة.
﴿ وَأَنَّا كُنَّا نَقْعُدُ مِنْهَا ﴾ [الجن : ٩] من السماء قبل هذا ﴿ مَقَـاعِدَ لِلسَّمْعِ ﴾ [الجن : ٩] لاستماع أخبار السماء يعني كنا نجد بعض السماء خالية من الحرس والشهب قبل المبعث ﴿ فَمَن يَسْتَمِعِ ﴾ [الجن : ٩] يرد الاستماع ﴿ الانَ ﴾ بعد المبعث ﴿ يَجِدْ لَهُ ﴾ [الجن : ٩] لنفسه ﴿ شِهَابًا رَّصَدًا ﴾ [الجن : ٩] صفة لـ ﴿ شِهَابًا ﴾ بمعنى الراصد أي يجد شهاباً راصداً له ولأجله، أو هو اسم جمع للراصد على معنى ذوي شهاب راصدين بالرجم، وهم الملائكة الذين يرجمونهم بالشهب ويمنعونهم من الاستماع، والجمهور على أن ذلك لم يكن قبل مبعث محمد صلى الله عليه وسلّم.
وقيل : كان الرجم في الجاهلية ولكن الشياطين كانت تسترق السمع في بعض الأوقات فمنعوا من الاستراق أصلاً بعد مبعث النبي صلى الله عليه وسلّم.
جزء : ٤ رقم الصفحة : ٤٣٨
﴿ وَأَنَّا لا نَدْرِى أَشَرٌّ ﴾ [الجن : ١٠] عذاب ﴿ أُرِيدَ بِمَن فِى الارْضِ ﴾ [الجن : ١٠] بعدم استراق السمع ﴿ أَمْ أَرَادَ بِهِمْ رَبُّهُمْ رَشَدًا ﴾ [الجن : ١٠] خيراً ورحمة ﴿ وَأَنَّا مِنَّا الصَّـالِحُونَ ﴾ [الجن : ١١] الأبرار المتقون


الصفحة التالية
Icon