جزء : ٤ رقم الصفحة : ٤٤٠
﴿ وَمِنَّا ﴾ قوم ﴿ دُونَ ذَالِكَ ﴾ [الفتح : ٢٧] فحذف الموصوف وهم المقتصدون في الصلاح غير الكاملين فيه أو أرادوا غير الصالحين ﴿ كُنَّا طَرَآ ـاِقَ قِدَدًا ﴾ [الجن : ١١] بيان للقسمة المذكورة أي كنا ذوي مذاهب متفرقة أو أديان مختلفة.
والقدد جمع قدة وهي القطعة من قددت السير أي قطعته ﴿ وَأَنَّا ظَنَنَّآ ﴾ [الجن : ٥] أيقنا ﴿ أَن لَّن نُّعْجِزَ اللَّهَ ﴾ [الجن : ١٢] لن نفوته ﴿ فِى الارْضِ ﴾ [السجدة : ١٠] حال أي لن نعجزه كائنين في الأرض أينما كنا فيها ﴿ وَلَن نُّعْجِزَهُ هَرَبًا ﴾ [الجن : ١٢] مصدر في موضع الحال
٤٤٠
أي ولن نعجزه هاربين منها إلى السماء، وهذه صفة الجن وما هم عليه من أحوالهم وعقائدهم ﴿ وَأَنَّا لَمَّا سَمِعْنَا الْهُدَى ﴾ [الجن : ١٣] القرآن ﴿ ءَامَنَّا بِهِ ﴾ [القصص : ٥٣] بالقرآن أو بالله ﴿ فَمَن يُؤْمِن بِرَبِّهِ فَلا يَخَافُ ﴾ [الجن : ١٣] فهو لا يخاف مبتدأ وخبر ﴿ بَخْسًا ﴾ نقصاً من ثوابه ﴿ وَلا رَهَقًا ﴾ [الجن : ١٣] أي ولا ترهقه ذلة من قوله :﴿ وَتَرْهَقُهُمْ ذِلَّةٌ ﴾ [يونس : ٢٧] (يونس : ٧٢) وقوله :﴿ وَلا يَرْهَقُ وُجُوهَهُمْ قَتَرٌ وَلا ذِلَّةٌ ﴾ [يونس : ٢٦] (يونس : ٦٢).
وفيه دليل على أن العمل ليس من الإيمان ﴿ وَأَنَّا مِنَّا الْمُسْلِمُونَ ﴾ [الجن : ١٤] المؤمنون ﴿ وَمِنَّا الْقَـاسِطُونَ ﴾ [الجن : ١٤] الكافرون الجائرون عن طريق الحق، قسط : جار وأقسط عدل ﴿ فَمَنْ أَسْلَمَ فَأُوالَـائكَ تَحَرَّوْا رَشَدًا ﴾ [الجن : ١٤] طلبوا هدى والتحري طلب الأحرى أي الأولى ﴿ وَأَمَّا الْقَـاسِطُونَ فَكَانُوا ﴾ [الجن : ١٥] في علم الله ﴿ لِجَهَنَّمَ حَطَبًا ﴾ [الجن : ١٥] وقوداً، وفيه دليل على أن الجني الكافر يعذب في النار ويتوقف في كيفية ثوابهم ﴿ وَأَنَّ ﴾ مخففة من الثقيلة يعني وأنه وهي من جملة الموحى أي أوحى إلى أن الشأن ﴿ وَأَلَّوِ اسْتَقَـامُوا ﴾ أي القاسطون ﴿ عَلَى الطَّرِيقَةِ ﴾ [الجن : ١٦] طريقة الإسلام ﴿ لاسْقَيْنَـاهُم مَّآءً غَدَقًا ﴾ [الجن : ١٦] كثيراً، والمعنى لوسعنا عليهم الرزق، وذكر الماء الغدق لأنه سبب سعة الرزق.
جزء : ٤ رقم الصفحة : ٤٤٠
﴿ لِّنَفْتِنَهُمْ فِيهِ ﴾ [طه : ١٣١] لنختبرهم فيه كيف يشكرون ما خولوا منه ﴿ وَمَن يُعْرِضْ عَن ذِكْرِ رَبِّهِ ﴾ [الجن : ١٧] القرآن أو التوحيد أو العبادة ﴿ يَسْلُكْهُ ﴾ بالياء : عراقي غير أبي بكر يدخله ﴿ عَذَابًا صَعَدًا ﴾ [الجن : ١٧] شاقاً مصدر صعد يقال : صعد صعداً وصعوداً، فوصف به العذاب لأنه يتصعد المعذب أي يعلوه ويغلبه فلا يطيقه، ومنه قول عمر رضي الله عنه : ما تصعدني شيء ما تصعدتني خطبة النكاح.
أي ما شق عليّ.
٤٤١
﴿ وَأَنَّ الْمَسَـاجِدَ لِلَّهِ ﴾ [الجن : ١٨] من جملة الموحى أي أوحي إلى أن المساجد أي البيوت المبنية للصلاة فيها لله.
وقيل : معناه ولأن المساجد لله فلا تدعوا على أن اللام متعلقة بـ ﴿ لا تَدْعُوا ﴾ [الفرقان : ١٤] أي ﴿ فَلا تَدْعُوا مَعَ اللَّهِ أَحَدًا ﴾ [الجن : ١٨] في المساجد لأنها خالصة لله ولعبادته.
وقيل : المساجد أعضاء السجود وهي الجبهة واليدان والركبتان والقدمان ﴿ وَأَنَّهُ لَمَّا قَامَ عَبْدُ اللَّهِ ﴾ [الجن : ١٩] محمد عليه السلام إلى الصلاة وتقديره وأوحي إلى أنه لما قام عبد الله ﴿ يَدْعُوهُ ﴾ يعبده ويقرأ القرآن ولم يقل نبي الله أو رسول الله لأنه من أحب الأسماء إلى النبي صلى الله عليه وسلّم، ولأنه لما كان واقعاً في كلامه صلى الله عليه وسلّم عن نفسه جيء به على ما يقتضيه التواضع، أو لأن عبادة عبد الله لله ليست بمستبعد حتى يكونوا عليه لبداً ﴿ كَادُوا ﴾ كاد الجن ﴿ يَكُونُونَ عَلَيْهِ لِبَدًا ﴾ [الجن : ١٩] جماعات جمع لبدة تعجباً مما رأوا من عبادته واقتداء أصحابه به وإعجاباً بما تلاه من القرآن لأنهم رأوا ما لم يروا مثله ﴿ قُلْ إِنَّمَآ أَدْعُوا رَبِّى ﴾ وحده ﴿ قَالَ ﴾ غير عاصم وحمزة ﴿ وَلا أُشْرِكُ بِهِ أَحَدًا ﴾ [الجن : ٢٠] في العبادة فلم تتعجبون وتزدحمون علي؟ ﴿ قُلْ إِنِّى لا أَمْلِكُ لَكُمْ ضَرًّا ﴾ [الجن : ٢١] مضرة ﴿ وَلا رَشَدًا ﴾ [الجن : ٢١] نفعاً، أو أراد بالضر الغي بدليل قراءة أبي ﴿ ضَرًّا وَلا رَشَدًا ﴾ يعني لا أستطيع أن أضركم وأن أنفعكم لأن الضار والنافع هو الله.
جزء : ٤ رقم الصفحة : ٤٤٠