معطوف أو مفعول معه ﴿ وَحِيدًا ﴾ حال من الياء في ﴿ ذَرْنِى ﴾ أي ذرني وحدي معه فإني أكفيك أمره، أو من التاء في ﴿ خَلَقْتُ ﴾ أي خلقته وحدي لم يشركني في خلقه أحد، أو من الهاء المحذوفة، أو من أي خلقته منفرداً بلا أهل ولا مال ثم أنعمت عليه ﴿ وَجَعَلْتُ لَهُ مَالا مَّمْدُودًا ﴾ [المدثر : ١٢] مبسوطاً كثيراً أو ممدوداً بالنماء وكان له الزرع والضرع والتجارة.
وعن مجاهد : كان له مائة ألف دينار.
وعنه أن له أرضاً بالطائف لا ينقطع ثمرها ﴿ وَبَنِينَ شُهُودًا ﴾ [المدثر : ١٣] حضوراً معه بمكة لغناهم عن السفر وكانوا عشرة أسلم منهم خالد وهشام وعمارة ﴿ وَمَهَّدتُّ لَهُ تَمْهِيدًا ﴾ [المدثر : ١٤] وبسطت له الجاه والرياسة فأتممت عليه نعمتي الجاه والمال واجتماعهما هو الكمال عند أهل الدنيا ﴿ ثُمَّ يَطْمَعُ أَنْ أَزِيدَ ﴾ [المدثر : ١٥] استبعاد واستنكار لطمعه وحرصه فيرجو أن أزيد في ماله وولده من غير شكر.
وقال الحسن : أن أزيد أن أدخله الجنة فأوتيه مالاً وولداً كما قال لأوتين مالاً وولداً ﴿ كَلا ﴾ ردع له وقطع لرجائه أي لا يجمع له بعد اليوم بين الكفر والمزيد من النعم، فلم يزل بعد نزول الآية في نقصان من المال والجاه حتى هلك ﴿ إِنَّهُ كَانَ لايَـاتِنَا ﴾ [المدثر : ١٦] للقرآن ﴿ عَنِيدًا ﴾ معانداً جاحداً وهو تعليل للردع على وجه الاستئناف كأن قائلاً قال : لم لا يزاد؟ فقيل : إنه جحد آيات المنعم وكفر بذلك نعمته والكافر لا يستحق المزيد ﴿ سَأُرْهِقُهُ ﴾ سأغشيه ﴿ صَعُودًا ﴾ عقبة شاقة المصعد وفي الحديث " الصعود جبل من نار يصعد فيه
٤٥٣
سبعين خريفاً ثم يهوي فيه كذلك أبد " ﴿ إِنَّهُ فَكَّرَ ﴾ [المدثر : ١٨] تعليل للوعيد كأن الله تعالى عاجله بالفقر والذل بعد الغنى والعز لعناده، ويعاقبه في الآخرة بأشد العذاب لبلوغه بالعناد غايته، وتسميته القرآن سحراً يعني أنه فكر ماذا يقول في القرآن ﴿ وَقَدَّرَ ﴾ في نفسه ما يقوله وهيأه.
جزء : ٤ رقم الصفحة : ٤٥١
﴿ فَقُتِلَ ﴾ لعن ﴿ كَيْفَ قَدَّرَ ﴾ [المدثر : ١٩] تعجيب من تقديره ﴿ ثُمَّ قُتِلَ كَيْفَ قَدَّرَ ﴾ [المدثر : ٢٠] كرر للتأكيد و " ثم " يشعر بأن الدعاء الثاني أبلغ من الأول ﴿ ثُمَّ نَظَرَ ﴾ [المدثر : ٢١] في وجوه الناس أو فيما قدر ﴿ ثُمَّ عَبَسَ ﴾ [المدثر : ٢٢] قطب وجهه ﴿ وَبَسَرَ ﴾ زاد في التقبض والكلوح ﴿ ثُمَّ أَدْبَرَ ﴾ [المدثر : ٢٣] عن الحق ﴿ وَاسْتَكْبَرَ ﴾ عنه أو عن مقامه وفي مقاله.
و ﴿ ثُمَّ نَظَرَ ﴾ [المدثر : ٢١] عطف على ﴿ فَكَّرَ وَقَدَّرَ ﴾ [المدثر : ١٨] والدعاء اعتراض بينهما، وإيراد " ثم " في المعطوفات لبيان أن بين الأفعال المعطوفة تراحياً ﴿ فَقَالَ إِنْ هَـاذَآ ﴾ [المدثر : ٢٤] ما هذا ﴿ إِلا سِحْرٌ يُؤْثَرُ ﴾ [المدثر : ٢٤] يروى عن السحرة.
روي أن الوليد قال لبني مخزوم : والله لقد سمعت من محمد آنفاً كلاماً ما هو من كلام الإنس ولا من كلام الجن، إن له لحلاوة، وإن عليه لطلاوة، وإن أعلاه لمثمر، وإن أسفله لمغدق، وإنه يعلو وما يعلى.
فقالت قريش : صبأ والله الوليد.
فقال أبو جهل وهو ابن أخيه : أنا أكفيكموه، فقعد إليه حزيناً وكلمه بما أحماه فقام الوليد، فأتاهم فقال : تزعمون أن محمداً مجنون فهل رأيتموه يخنق؟ وتقولون إنه كاهن فهل رأيتموه يتكهن؟ وتزعمون أنه شاعر فهل رأيتموه يتعاطى شعراً قط؟ وتزعمون أنه كذاب فهل جربتم عليه شيئاً من الكذب؟ فقالوا في كل ذلك : اللهم لا.
ثم قالوا : فما هو؟ ففكر فقال : ما هو إلا ساحر، أما رأيتموه يفرق بين الرجل وأهله وولده ومواليه؟ وما الذي يقوله إلا سحر يؤثر عن مسيلمة وأهل بابل، فارتج النادي فرحاً وتفرقوا متعجبين منه.
وذكر الفاء دليل على أن هذه الكلمة لما خطرت بباله نطق بها من غير تلبث ﴿ إِنْ هَـاذَآ إِلا قَوْلُ الْبَشَرِ ﴾ [المدثر : ٢٥] ولم يذكر العاطف بين هاتين الجملتين لأن الثانية جرت مجرى التوكيد للأولى.
جزء : ٤ رقم الصفحة : ٤٥١
﴿ سَأُصْلِيهِ ﴾ سأدخله بدل من ﴿ سَأُرْهِقُهُ صَعُودًا ﴾ [المدثر : ١٧] ﴿ سَقَرَ ﴾ علم لجهنم
٤٥٤