مكية.
قلت : معناه وليقول المنافقون الذين يظهرون في المستقبل بالمدينة بعد الهجرة والكافرون بمكة ﴿ مَاذَآ أَرَادَ اللَّهُ بِهَـاذَا مَثَلا ﴾ [البقرة : ٢٦] وهذا إخبار بما سيكون كسائر الإخبارات بالغيوب وذا لا يخالف كون السورة مكية.
وقيل : المراد بالمرض الشك والارتياب لأن أهل مكة كان أكثرهم شاكين.
و ﴿ مَثَلا ﴾ تمييز لهذا أو حال منه كقوله :﴿ هَـاذِهِ نَاقَةُ اللَّهِ لَكُمْ ءَايَةً ﴾ [الأعراف : ٧٣] (هود : ٤٦) ولما كان ذكر العدد في غاية الغرابة وأن مثله حقيق بأن تسير به الركبان سيرها بالأمثال سمي مثلاً، والمعنى أي شيء أراد الله بهذا العدد العجيب، وأي معنى أراد في أن جعل الملائكة تسعة عشر لا عشرين، وغرضهم إنكاره أصلاً وأنه ليس من عند الله وأنه لو كان من عند الله لما جاء بهذا العدد الناقص ﴿ كَذَالِكَ يُضِلُّ اللَّهُ مَن يَشَآءُ ﴾ [المدثر : ٣١] الكاف نصب و " ذلك " إشارة إلى ما قبله من معنى الإضلال والهدى أي مثل ذلك المذكور من الإضلال والهدى يعني إضلال المنافقين والمشركين حتى قالوا ما قالوا، وهدي المؤمنين بتصديقه، ورؤية الحكمة في ذلك يضل الله من يشاء من عباده وهو الذي علم منه اختيار الضلال ﴿ وَيَهْدِى مَن يَشَآءُ ﴾ [فاطر : ٨] وهو الذي علم منه اختيار الاهتداء، وفيه دليل خلق الأفعال ووصف الله بالهداية والإضلال.
لما قال أبو جهل لعنه الله : أما لرب محمد أعوان إلا تسعة عشر نزل ﴿ وَمَا يَعْلَمُ جُنُودَ رَبِّكَ ﴾ [المدثر : ٣١] لفرط كثرتها ﴿ إِلا هُوَ ﴾ [هود : ٥٦] فلا يعز عليه تتميم الخزنة عشرين ولكن له في هذا العدد الخاص حكمة لا تعلمونها ﴿ وَمَا هِىَ ﴾ [المدثر : ٣١] متصل بوصف سقر وهي ضميرها أي وما سقر وصفتها ﴿ إِلا ذِكْرَى لِلْبَشَرِ ﴾ [المدثر : ٣١] أي تذكرة للبشر أو ضمير الآيات التي ذكرت فيها.
﴿ كَلا ﴾ إنكار بعد أن جعلها ذكرى أن تكون لهم ذكرى لأنهم لا يتذكرون ﴿ وَالْقَمَرِ ﴾ أقسم به لعظم منافعه ﴿ وَالَّيْلِ إِذْ أَدْبَرَ ﴾ [المدثر : ٣٣] نافع وحفص وحمزة ويعقوب وخلف.
وغيرهم ﴿ قَمِيصَهُ مِن دُبُرٍ ﴾ ودبر بمعنى أدبر ومعناهما ولى وذهب.
وقيل : أدبر ولى ومضى، ودبر جاء بعد النهار ﴿ وَالصُّبْحِ إِذَآ أَسْفَرَ ﴾ [المدثر : ٣٤] أضاء وجواب القسم.
جزء : ٤ رقم الصفحة : ٤٥٤
﴿ إِنَّهَا ﴾ إن سقر ﴿ لاحْدَى الْكُبَرِ ﴾ [المدثر : ٣٥] هي جمع الكبرى أي لإحدى البلايا أو الدواهي الكبر، ومعنى كونها إحداهن أنها من بينهن واحدة في العظم لا نظيرة لها كما تقول : هو أحد الرجال
٤٥٦
وهي إحدى النساء ﴿ نَذِيرًا ﴾ تمييز من ﴿ إِحْدَى ﴾ أي إنها لإحدى الدواهي إنذاراً كقولك : هي إحدى النساء عفافاً.
وأبدل من ﴿ لِّلْبَشَرِ * لِمَن شَآءَ مِنكُمْ ﴾ بإعادة الجار ﴿ أَن يَتَقَدَّمَ ﴾ [المدثر : ٣٧] إلى الخير ﴿ أَوْ يَتَأَخَّرَ ﴾ [المدثر : ٣٧] عنه.
وعن الزجاج : إلى ما أمر وعما نهي.
﴿ كُلُّ نَفْس بِمَا كَسَبَتْ رَهِينَةٌ ﴾ [المدثر : ٣٨] هي ليست بتأنيث " رهين " في قوله ﴿ كُلُّ امْرِى بِمَا كَسَبَ رَهِينٌ ﴾ (الطور : ١٢) لتأنيث النفس، لأنه لو قصدت الصفة لقيل رهين، لأن فعيلاً بمعنى مفعول يستوي فيه المذكر والمؤنث، وإنما هي اسم بمعنى الرهن كالشتيمة بمعنى الشتم كأنه قيل : كل نفس بما كسبت رهن، والمعنى كل نفس رهن بكسبها عند الله غير مفكوك ﴿ إِلا أَصْحَـابَ الْيَمِينِ ﴾ [المدثر : ٣٩] أي أطفال المسلمين لأنهم لا أعمال لهم يرهنون بها، أو إلا المسلمين فإنهم فكوا رقابهم بالطاعة كما يخلص الراهن رهنه بأداء الحق ﴿ فِى جَنَّـاتٍ ﴾ [الصف : ١٢] أي هم في جنات لا يكتنه وصفها ﴿ يَتَسَآءَلُونَ * عَنِ الْمُجْرِمِينَ ﴾ يسأل بعضهم بعضاً عنهم أو يتساءلون غيرهم عنهم ﴿ مَا سَلَكَكُمْ فِى سَقَرَ ﴾ [المدثر : ٤٢] أدخلكم فيها.
ولا يقال لا يطابق قوله ﴿ مَا سَلَكَكُمْ ﴾ [المدثر : ٤٢] وهو سؤال للمجرمين قوله ﴿ يَتَسَآءَلُونَ * عَنِ الْمُجْرِمِينَ ﴾ وهو سؤال عنهم، وإنما يطابق ذلك لو قيل يتساءلون المجرمين ما سلككم، لأن ﴿ مَا سَلَكَكُمْ ﴾ [المدثر : ٤٢] ليس ببيان للتساؤل عنهم وإنما هو حكاية قول المسؤولين عنهم، لأن المسؤولين يلقون إلى السائلين ما جرى بينهم وبين المجرمين فيقولون : قلنا لهم ما سلككم في سقر قالوا لم نك من المصلين، إلا أنه اختصر كما هو نهج القرآن.
وقيل :" عن " زائدة.