﴿ بَلَى ﴾ أوجبت ما بعد النفي أي بلى نجمعها ﴿ قَـادِرِينَ ﴾ حال من الضمير في ﴿ نَّجْمَعَ ﴾ أي نجمعها قادرين على جمعها وإعادتها كما كانت ﴿ عَلَى أَن نُّسَوِّىَ بَنَانَهُ ﴾ [القيامة : ٤] أصابعه كما كانت في الدنيا بلا نقصان وتفاوت مع صغرها فكيف بكبار العظام.
﴿ بَلْ يُرِيدُ الانسَـانُ ﴾ [القيامة : ٥] عطف على ﴿ أَيَحْسَبُ ﴾ فيجوز أن يكون مثله استفهاماً ﴿ لِيَفْجُرَ أَمَامَهُ ﴾ [القيامة : ٥] ليدوم على فجوره فيما يستقبله من الزمان ﴿ يَسْـاَلُ أَيَّانَ ﴾ [القيامة : ٦] متى ﴿ يَوْمُ الْقِيَـامَةِ ﴾ [القيامة : ٦] سؤال متعنت مستبعد لقيام الساعة ﴿ فَإِذَا بَرِقَ الْبَصَرُ ﴾ [القيامة : ٧] تحير فزعاً وبفتح الراء : مدني شخص ﴿ وَخَسَفَ الْقَمَرُ ﴾ [القيامة : ٨] وذهب ضوؤه أو غاب من قوله ﴿ فَخَسَفْنَا بِهِ ﴾ [القصص : ٨١] (القصص : ١٨) وقرأ أبو حيوة بضم الخاء ﴿ وَجُمِعَ الشَّمْسُ وَالْقَمَرُ ﴾ [القيامة : ٩] أي جمع بينهما في الطلوع من المغرب أو جمعاً في ذهاب الضوء ويجمعان فيقذفان في البحر فيكون نار الله الكبرى ﴿ يَقُولُ الانسَـانُ ﴾ [القيامة : ١٠] الكافر ﴿ يَوْمَـاـاِذٍ أَيْنَ الْمَفَرُّ ﴾ [القيامة : ١٠] هو مصدر أي الفرار من النار أو المؤمن أيضاً من الهول.
وقرأ الحسن بكسر الفاء وهو يحتمل المكان والمصدر ﴿ كَلا ﴾ ردع عن طلب المفر ﴿ لا وَزَرَ ﴾ [القيامة : ١١] لا ملجأ ﴿ إِلَى رَبِّكَ ﴾ [الحج : ٦٧] خاصة ﴿ يَوْمَـاـاِذٍ الْمُسْتَقَرُّ ﴾ [القيامة : ١٢] مستقر العباد أو موضع قرارهم من جنة أو نار مفوّض ذلك لمشيئته، من شاء أدخله الجنة ومن شاء أدخله النار.
جزء : ٤ رقم الصفحة : ٤٥٩
﴿ يَقُولُ الانسَـانُ يَوْمَـاـاِذٍ ﴾ يخبر
٤٦٠
﴿ بِمَا قَدَّمَ ﴾ [القيامة : ١٣] من عمل عمله ﴿ وَأَخَّرَ ﴾ ما لم يعمله.
﴿ بَلِ الانسَـانُ عَلَى نَفْسِهِ بَصِيرَةٌ ﴾ [القيامة : ١٤] شاهد.
والهاء للمبالغة كعلامة أو أنثه لأنه أراد به جوارحه إذ جوارحه تشهد عليه، أو هو حجة على نفسه والبصيرة الحجة قال الله تعالى :﴿ قَدْ جَآءَكُم بَصَآئِرُ مِن رَّبِّكُمْ ﴾ [الأنعام : ١٠٤] (الأنعام : ٤٠١) وتقول لغيرك أنت حجة على نفسك.
و ﴿ بَصِيرَةٌ ﴾ رفع بالابتداء وخبره ﴿ عَلَى نَفْسِهِ ﴾ [القيامة : ١٤] تقدم عليه والجملة خبر الإنسان كقولك : زيد على رأسه عمامة.
والبصيرة على هذا يجوز أن يكون الملك الموكل عليه ﴿ وَلَوْ أَلْقَى مَعَاذِيرَهُ ﴾ [القيامة : ١٥] أرخى ستوره والمعذار الستر.
وقيل : ولو جاء بكل معذرة ما قبلت منه فعليه من يكذب عذره.
والمعاذير ليس بجمع معذرة لأن جمعها معاذر بل هي اسم جمع لها ونحوه المناكير في المنكر ﴿ لا تُحَرِّكْ بِهِ ﴾ [القيامة : ١٦] بالقرآن ﴿ لِسَانَكَ لِتَعْجَلَ بِهِ ﴾ [القيامة : ١٦] بالقرآن.
وكان صلى الله عليه وسلّم يأخذ في القرآن قبل فراغ جبريل كراهة أن يتفلت منه فقيل له : لا تحرك لسانك بقراءة الوحي ما دام جبريل يقرأ لتأخذه على عجلة، ولئلا يتفلت منك.
ثم علل النهي عن العجلة بقوله ﴿ إِنَّ عَلَيْنَا جَمْعَهُ ﴾ [القيامة : ١٧] في صدرك ﴿ وَقُرْءَانَهُ ﴾ وإثبات قراءته في لسانك، والقرآن القراءة ونحوه ﴿ وَلا تَعْجَلْ بِالْقُرْءَانِ مِن قَبْلِ أَن يُقْضَى إِلَيْكَ وَحْيُهُ ﴾ [طه : ١١٤] (طه : ٤١١) ﴿ فَإِذَا قَرَأْنَـاهُ ﴾ [القيامة : ١٨] أي قرأه عليك جبريل فجعل قراءة جبريل قراءنه ﴿ فَاتَّبِعْ قُرْءَانَهُ ﴾ [القيامة : ١٨] أي قراءته عليك ﴿ ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنَا بَيَانَهُ ﴾ [القيامة : ١٩] إذا أشكل عليك شيء من معانيه.
جزء : ٤ رقم الصفحة : ٤٥٩
﴿ كَلا ﴾ ردع عن إنكار البعث أو ردع لرسول الله صلى الله عليه وسلّم عن العجلة وإنكار لها عليه، وأكده بقوله ﴿ بَلْ تُحِبُّونَ الْعَاجِلَةَ ﴾ [القيامة : ٢٠] كأنه قيل : بل أنتم يا بني آدم لأنكم خلقتم من عجل وطبعتم عليه تعجلون في كل شيء ومن ثم تحبون العاجلة الدنيا وشهواتها ﴿ وَتَذَرُونَ الاخِرَةَ ﴾ [القيامة : ٢١] الدار الآخرة ونعيمها فلا تعملون لها والقراءة بالتاء : مدني وكوفي
٤٦١