﴿ وُجُوهٌ ﴾ هي وجوه المؤمنين ﴿ يَوْمَـاـاِذٍ نَّاضِرَةٌ ﴾ [القيامة : ٢٢] حسنة ناعمة ﴿ إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ ﴾ [القيامة : ٢٣] بلا كيفية ولا جهة ولا ثبوت مسافة.
وحمل النظر على الانتظار لأمر ربها أو لثوابه لا يصح لأنه يقال : نظرت فيه أي تفكرت، ونظرته انتظرته، ولا يعدى بـ " إلى " إلا بمعنى الرؤية مع أنه لا يليق الانتظار في دار القرار ﴿ وَوُجُوهٌ يَوْمَـاـاِذ بَاسِرَةٌ ﴾ [القيامة : ٢٤] كالحة شديدة العبوسة وهي وجوه الكفار ﴿ تَظُنُّ ﴾ تتوقع ﴿ أَن يُفْعَلَ بِهَا ﴾ [القيامة : ٢٥] فعل هو في شدته ﴿ فَاقِرَةٌ ﴾ داهية تقصم فقار الظهر ﴿ كَلا ﴾ ردع عن إيثار الدنيا على الآخرة كأنه قيل : ارتدعوا عن ذلك وتنبهوا على ما بين أيديكم من الموت الذي عنده تنقطع العاجلة عنكم وتنتقلون إلى الآجلة التي تبقون فيها مخلدين ﴿ إِذَا بَلَغَتِ ﴾ [القيامة : ٢٦] أي الروح وجاز وإن لم يجر لها ذكر لأن الآية تدل عليها ﴿ التَّرَاقِىَ ﴾ العظام المكتنفة لثغرة النحر عن يمين وشمال جمع ترقوة ﴿ وَقِيلَ مَنْ رَاقٍ ﴾ [القيامة : ٢٧] يقف حفص على ﴿ مَنْ ﴾ وقيفة أي قال حاضر والمحتضر بعضهم لبعض أيكم يرقيه مما به من الرقية من حد ضرب، أو هو من كلام الملائكة : أيكم يرقى بروحه أملائكة الرحمة أم ملائكة العذاب من الرقي من حد علم.
جزء : ٤ رقم الصفحة : ٤٦١
﴿ وَظَنَّ ﴾ أيقن المحتضر ﴿ أَنَّهُ الْفِرَاقُ ﴾ [القيامة : ٢٨] أن هذا الذي نزل به هو فراق الدنيا المحبوبة ﴿ وَالْتَفَّتِ السَّاقُ بِالسَّاقِ ﴾ [القيامة : ٢٩] التوت ساقاه عند موته.
وعن سعيد بن المسيب : هما ساقاه حين تلفان في أ كفانه.
وقيل : شدة فراق الدنيا بشدة إقبال الآخرة على أن الساق مثل في الشدة.
وعن ابن عباس رضي الله عنهما : هما همّان : همّ الأهل والولد وهمّ القدوم على الواحد الصمد ﴿ إِلَى رَبِّكَ يَوْمَـاـاِذٍ الْمَسَاقُ ﴾ [القيامة : ٣٠] هو مصدر ساقه أي مساق العباد إلى حيث أمر الله إما إلى الجنة أو إلى النار ﴿ فَلا صَدَّقَ ﴾ [القيامة : ٣١] بالرسول والقرآن ﴿ وَلا صَلَّى ﴾ [القيامة : ٣١] الإنسان في قوله :
٤٦٢
﴿ أَيَحْسَبُ الانسَـانُ أَن يُتْرَكَ ﴾ (القيامة : ٣) ﴿ وَلَـاكِن كَذَّبَ ﴾ [القيامة : ٣٢] بالقرآن ﴿ وَتَوَلَّى ﴾ عن الإيمان أو فلا صدق ماله يعني فلا زكاه ﴿ ثُمَّ ذَهَبَ إِلَى أَهْلِهِ يَتَمَطَّى ﴾ [القيامة : ٣٣] يتبختر وأصله يتمطط أي يتمدد لأن المتبختر يمد خطاه فأبدلت الطاء ياء لاجتماع ثلاثة أحرف متماثلة.
﴿ أَوْلَى لَكَ ﴾ [القيامة : ٣٤] بمعنى ويل لك وهو دعاء عليه بأن يليه ما يكره ﴿ أَوْلَى لَكَ فَأَوْلَى * ثُمَّ أَوْلَى لَكَ فَأَوْلَى ﴾ كرر للتأكيد كأنه قال : ويل لك فويل لك ثم ويل لك فويل لك.
وقيل : ويل لك يوم الموت، وويل لك في القبر، وويل لك حين البعث، وويل لك في النار.
﴿ أَيَحْسَبُ الانسَـانُ أَن يُتْرَكَ سُدًى ﴾ [القيامة : ٣٦] أيحسب الكافر أن يترك مهملاً لا يؤمر ولا ينهى ولا يبعث ولا يجازى؟ ﴿ أَلَمْ يَكُ نُطْفَةً مِّن مَّنِىٍّ يُمْنَى ﴾ [القيامة : ٣٧] بالياء : ابن عامر وحفص أي يراق المني في الرحم، وبالتاء يعود إلى النطفة ﴿ ثُمَّ كَانَ عَلَقَةً ﴾ [القيامة : ٣٨] أي صار المني قطعة دم جامد بعد أربعين يوماً ﴿ فَخَلَقَ فَسَوَّى ﴾ [القيامة : ٣٨] فخلق الله منه بشراً سوياً ﴿ فَجَعَلَ مِنْهُ ﴾ [القيامة : ٣٩] من الإنسان ﴿ الزَّوْجَيْنِ الذَّكَرَ وَالانثَى ﴾ [النجم : ٤٥] أي من المني الصنفين ﴿ أَلَيْسَ ذَالِكَ بِقَـادِرٍ عَلَى أَن يُحِْـاىَ الْمَوْتَى ﴾ [القيامة : ٤٠] أليس الفعّال لهذه الأشياء بقادر على الإعادة؟ وكان صلى الله عليه وسلّم إذا قرأها يقول : سبحانك بلى.
٤٦٣
سورة الإنسان
مكية وهي إحدى وثلاثون آية
بسم الله الرحمن الرحيم