﴿ هَلْ أَتَى ﴾ [الإنسان : ١] قد مضى ﴿ عَلَى الانسَـانِ ﴾ [الإسراء : ٨٣] آدم عليه السلام ﴿ حِينٌ مِّنَ الدَّهْرِ ﴾ [الإنسان : ١] أربعون سنة مصوراً قبل نفخ الروح فيه ﴿ لَمْ يَكُن شيئا مَّذْكُورًا ﴾ [الإنسان : ١] لم يذكر اسمه ولم يدر ما يراد به لأنه كان طيناً يمر به الزمان ولو غير موجود لم يوصف بأنه قد أتى عليه حين من الدهر.
ومحل ﴿ لَمْ يَكُن شيئا مَّذْكُورًا ﴾ [الإنسان : ١] النصب على الحال من الإنسان أي أتى عليه حين من الدهر غير مذكور ﴿ إِنَّا خَلَقْنَا الانسَـانَ ﴾ [الإنسان : ٢] أي ولد آدم، وقيل الأول ولد آدم أيضاً و ﴿ حِينٌ مِّنَ الدَّهْرِ ﴾ [الإنسان : ١] على هذا مدة لبثه في بطن أمه إلى أن صار شيئاً مذكوراً بين الناس ﴿ مِن نُّطْفَةٍ أَمْشَاجٍ ﴾ [الإنسان : ٢] نعت أو بدل منها أي من نطفة قد امتزج فيها الماآن.
ومشجه ومزجه بمعنى و ﴿ نُّطْفَةٍ أَمْشَاجٍ ﴾ [الإنسان : ٢] كبرمة أعشار فهو لفظ مفرد غير جمع ولذا وقع صفة للمفرد ﴿ نَّبْتَلِيهِ ﴾ حال أي خلقناه مبتلين أي مريدين ابتلاءه بالأمر والنهي له ﴿ فَجَعَلْنَـاهُ سَمِيعَا بَصِيرًا ﴾ [الإنسان : ٢] ذا سمع وبصر.
جزء : ٤ رقم الصفحة : ٤٦٤
﴿ إِنَّا هَدَيْنَـاهُ السَّبِيلَ ﴾ [الإنسان : ٣] بيّنا له طريق الهدى بأدلة العقل والسمع
٤٦٤
﴿ إِمَّا شَاكِرًا ﴾ [الإنسان : ٣] مؤمناً ﴿ وَإِمَّا كَفُورًا ﴾ [الإنسان : ٣] كافراً حالان من الهاء في ﴿ هَدَيْنَـاهُ ﴾ أي إن شكر وكفر فقد هديناه السبيل في الحالين أو من السبيل أي عرّفناه السبيل إما سبيلاً شاكراً وأما سبيلاً كفوراً.
ووصف السبيل بالشكر والكفر مجاز.
ولما ذكر الفريقين أتبعهما ما أعد لهما فقال ﴿ إِنَّآ أَعْتَدْنَا لِلْكَـافِرِينَ ﴾ جمع سلسلة بغير تنوين : حفص ومكي وأبو عمرو وحمزة، وبه ليناسب ﴿ وَأَغْلَـالا وَسَعِيرًا ﴾ إذ يجوز صرف غير المنصرف للتناسب : غيرهم ﴿ وَأَغْلَـالا ﴾ جمع غلّ ﴿ وَسَعِيرًا ﴾ ناراً موقدة.
وقال ﴿ إِنَّ الابْرَارَ ﴾ [الانفطار : ١٣] جمع بر أو بار كرب وأرباب وشاهد وأشهاد وهم الصادقون في الإيمان أو الذين لا يؤذون الذرّ ولا يضمرون الشر ﴿ يَشْرَبُونَ مِن كَأْسٍ ﴾ [الإنسان : ٥] خمر فنفس الخمر تسمى كأساً.
وقيل : الكأس الزجاجة إذا كان فيها خمر ﴿ كَانَ مِزَاجُهَا ﴾ [الإنسان : ١٧] ما تمزج به ﴿ كَفُورًا ﴾ ماء كافور وهو اسم عين في الجنة ماؤها في بياض الكافور ورائحته وبرده ﴿ عَيْنًا ﴾ بدل منه ﴿ يَشْرَبُ بِهَا عِبَادُ اللَّهِ ﴾ [الإنسان : ٦] أي منها أو الباء زائدة أو هو محمول على المعنى أي يلتذ بها أو يروي بها.
وإنما قال أولاً بحرف " من " وثانياً بحرف الباء لأن الكأس مبتدأ شربهم وأول غايته، وأما العين فيها يمزجون شرابهم فكأنه قيل : يشرب عباد الله بها الخمر ﴿ يُفَجِّرُونَهَا ﴾ يجرونها حيث شاءوا من منازلهم ﴿ تَفْجِيرًا ﴾ سهلاً لا يمتنع عليهم.
﴿ يُوفُونَ بِالنَّذْرِ ﴾ [الإنسان : ٧] بما أوجبوا على أنفسهم، وهو جواب " من " عسى أن يقول : ما لهم يرزقون ذلك؟ والوفاء بالنذر مبالغة في وصفهم بالتوفر على أداء الواجبات لأن من وفّى بما أوجبه على نفسه لوجه الله كان بما أوجبه الله عليه أوفى ﴿ وَيَخَافُونَ يَوْمًا كَانَ شَرُّهُ ﴾ [الإنسان : ٧] شدائده ﴿ مُسْتَطِيرًا ﴾ منتشراً من استطار الفجر ﴿ وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ ﴾ [الإنسان : ٨] أي حب الطعام من الاشتهار والحاجة إليه
٤٦٥
أو على حب الله ﴿ مِسْكِينًا ﴾ فقيراً عاجزاً عن الاكتساب ﴿ وَيَتِيمًا ﴾ صغيراً لا أب له ﴿ وَأَسِيرًا ﴾ مأسوراً مملوكاً أو غيره.
ثم عللوا إطعامهم فقالوا :
جزء : ٤ رقم الصفحة : ٤٦٤