﴿ إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللَّهِ ﴾ [الإنسان : ٩] أي لطلب ثوابه أو هو بيان من الله عز وجل عما في ضمائرهم، لأن الله تعالى علمه منهم فأثنى عليهم وإن لم يقولوا شيئاً ﴿ لا نُرِيدُ مِنكُمْ جَزَآءً ﴾ [الإنسان : ٩] هدية على ذلك ﴿ وَلا شُكُورًا ﴾ [الإنسان : ٩] ثناء وهو مصدر كالشكر ﴿ إِنَّا نَخَافُ مِن رَّبِّنَا ﴾ [الإنسان : ١٠] أي إنا لا نريد منكم المكافأة لخوف عقاب الله على طلب المكافأة بالصدقة، أو إنا نخاف من ربنا فنتصدق لوجهه حتى نأمن من ذلك الخوف ﴿ يَوْمًا عَبُوسًا قَمْطَرِيرًا ﴾ [الإنسان : ١٠] وصف اليوم بصفة أهله من الأشقياء نحو : نهارك صائم.
والقمطرير الشديد العبوس الذي يجمع ما بين عينيه.
﴿ فَوَقَـاـاهُمُ اللَّهُ شَرَّ ذَالِكَ الْيَوْمِ ﴾ [الإنسان : ١١] صانهم من شدائده ﴿ وَلَقَّـاـاهُمْ ﴾ أعطاهم بدل عبوس الفجار ﴿ نَضْرَةَ ﴾ حسناً في الوجوه ﴿ وَسُرُورًا ﴾ فرحاً في القلوب ﴿ وَجَزَاـاهُم بِمَا صَبَرُوا ﴾ [الإنسان : ١٢] بصبرهم على الإيثار.
نزلت في علي وفاطمة وفضة جارية لهما، لما مرض الحسن والحسين رضي الله عنهما نذروا صوم ثلاثة أيام فاستقرض علي رضي الله عنه من يهودي ثلاثة أصوع من الشعير، فطحنت فاطمة رضي الله عنها كل يوم صاعاً وخبزت فآثروا بذلك ثلاثة عشايا على أنفسهم مسكيناً ويتيماً وأسيراً ولم يذوقوا إلا الماء في وقت الإفطار.
﴿ جَنَّةُ ﴾ بستاناً فيه مأكل هنيء ﴿ وَحَرِيرًا ﴾ ملبساً بهياً ﴿ مُتَّكِـاِينَ ﴾ حال من " هم " في ﴿ وَأَنزَلْنَا فِيهَآ ﴾ [النور : ١] في الجنة ﴿ عَلَى الارَآ ـاِكِ ﴾ [الإنسان : ١٣] الأسرة جمع الأريكة ﴿ لا يَرَوْنَ ﴾ [الإنسان : ١٣] حال من الضمير المرفوع في ﴿ مُتَّكِـاِينَ ﴾ غير رائين ﴿ فِيهَآ ﴾ في الجنة ﴿ شَمْسًا وَلا زَمْهَرِيرًا ﴾ [الإنسان : ١٣] لأنه لا شمس فيها ولا زمهرير فظلها دائم
٤٦٦
وهواؤها معتدل، لا حر شمس يحمي ولا شدة برد تؤذي.
وفي الحديث :" هواء الجنة سجسج لا حر ولا قرّ ".
فالزمهرير البرد الشديد.
وقيل : القمر أي الجنة مضيئة لا يحتاج فيها إلى شمس وقمر ﴿ وَدَانِيَةً عَلَيْهِمْ ظِلَـالُهَا ﴾ [الإنسان : ١٤] قريبة منهم ظلال أشجارها عطفت على جنة أي وجنة أخرى دانية عليهم ظلالها كأنهم وعدوا بجنتين لأنهم وصفوا بالخوف بقوله :﴿ إِنَّا نَخَافُ مِن رَّبِّنَا ﴾ [الإنسان : ١٠] ﴿ وَلِمَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ جَنَّتَانِ ﴾ [الرحمن : ٤٦] (الرحمن : ٦٤) ﴿ وَذُلِّلَتْ ﴾ سخرت للقائم والقاعد والمتكىء وهو حال من ﴿ دَانِيَةٌ ﴾ أي تدنو ظلالها عليهم في حال تذليل قطوفها عليهم، أو معطوفة عليها أي ودانية عليهم ظلالها ومذللة ﴿ قُطُوفُهَا ﴾ ثمارها جمع قطف.
جزء : ٤ رقم الصفحة : ٤٦٤
﴿ تَذْلِيلا * وَيُطَافُ عَلَيْهِم بِـاَانِيَةٍ مِّن فِضَّةٍ ﴾ أي يدير عليهم خدمهم كئوس الشراب.
والآنية جمع إناء وهو وعاء الماء ﴿ وَأَكْوَابٍ ﴾ أي من فضة جمع كوب وهو إبريق لا عروة له ﴿ كَانَتْ قَوَارِيرَا ﴾ [الإنسان : ١٥] " كان " تامة أي كونت فكانت قوارير بتكوين الله نصب على الحال ﴿ قَوَارِيرَا مِن فِضَّةٍ ﴾ [الإنسان : ١٦] أي مخلوقة من فضة فهي جامعة لبياض الفضة وحسنها وصفاء القوارير وشفيفها حيث يرى ما فيها من الشراب من خارجها.
قال ابن عباس رضي الله عنهما : قوارير كل أرض من تربتها وأرض الجنة فضة.
قرأ نافع والكسائي وعاصم في رواية أبي بكر بالتنوين فيهما.
وحمزة وابن عامر وأبو عمرو وحفص بغير تنوين فيهما.
وابن كثير بتنوين الأول والتنوين في الأول لتناسب الآي المتقدمة والمتأخرة، وفي الثاني لإتباعه الأول.
والوقف على الأول قد قيل ولا يوثق به لأن الثاني بدل من الأول ﴿ قَدَّرُوهَا تَقْدِيرًا ﴾ [الإنسان : ١٦] صفة لـ ﴿ قَوَارِيَرَ قَالَتْ رَبِّ إِنِّى ظَلَمْتُ نَفْسِى وَأَسْلَمْتُ مَعَ سُلَيْمَـانَ لِلَّهِ رَبِّ الْعَـالَمِينَ ﴾ أي أهل الجنة قدروها على أشكال مخصوصة فجاءت كما قدروها تكرمة لهم، أو السقاة جعلوها على قدر ريّ شاربها فهي ألذ لهم وأخف عليهم.
وعن مجاهد : لا تفيض ولا تغيض.
٤٦٧