سورة النازعات
ست وأربعون آية مكية
بسم الله الرحمن الرحيم
﴿ وَالنَّـازِعَـاتِ غَرْقًا * وَالنَّـاشِطَـاتِ نَشْطًا * وَالسَّـابِحَـاتِ سَبْحًا * فَالسَّـابِقَـاتِ سَبْقًا * فَالْمُدَبِّرَاتِ أَمْرًا ﴾ لا وقف إلى هنا.ولزم هنا لأنه لو وصل لصار ﴿ يَوْمَ ﴾ ظرف وقد انقضى تدبير الملائكة في ذلك اليوم.
أقسم سبحانه بطوائف الملائكة التي تنزع الأرواح من الأجساد غرقاً أي إغراقاً في النزع أي تنزعها من أقاصي الأجساد من أناملها ومواضع أظفارها، وبالطوائف التي تنشطها أي تخرجها من نشط الدلو من البئر إذا أخرجها، وبالطوائف التي تسبح في مضيها أي تسرع فتسبق إلى ما أمروا به فتدبر أمراً من أمور العباد مما يصلحهم في دينهم أو دنياهم كما رسم لهم.
أو بخيل الغزاة التي تنزع في أعنتها نزعاً تغرق فيه الأعنة لطول أعناقها لأنها عراب، والتي تخرج من دار الإسلام إلى دار الحرب من قولك ثور ناشط إذا خرج من بلد إلى بلد، والتي تسبح في جريها فتسبق إلى الغاية فتدبر أمر الغلبة والظفر، وإسناد التدبير إليها لأنها من أسبابه.
أو بالنجوم التي تنزع من المشرق إلى المغرب، وإغراقها في النزع أن تقطع الفلك كله حتى تنحط في أقصى الغرب، والتي تخرج من برج إلى برج والتي تسبح في الفلك من السيارة فتسبق فتدبر أمراً من علم الحساب.
وجواب القسم محذوف وهو " لتبعثن " لدلالة ما بعده عليه من ذكر القيامة.
جزء : ٤ رقم الصفحة : ٤٨١
﴿ أَلِيمًا * يَوْمَ تَرْجُفُ ﴾ [المزمل : ١٤] تتحرك حركة شديدة والرجف شدة الحركة ﴿ الرَّاجِفَةُ ﴾ النفخة الأولى وصفت بما يحدث بحدوثها لأنها تضطرب بها الأرض حتى يموت كل من عليها ﴿ تَتْبَعُهَا ﴾ حال عن الراجفة ﴿ الرَّادِفَةُ ﴾ النفخة الثانية لأنها تردف الأولى
٤٨١
وبينهما أربعون سنة، والأولى تميت الخلق والثانية تحييهم ﴿ قُلُوبٌ يَوْمَـاـاِذٍ ﴾ [النازعات : ٨] قلوب منكري البعث ﴿ وَاجِفَةٌ ﴾ مضطربة من الوجيب وهو الوجيف.
وانتصاب ﴿ يَوْمَ تَرْجُفُ ﴾ [المزمل : ١٤] بما دل عليه ﴿ قُلُوبٌ يَوْمَـاـاِذٍ وَاجِفَةٌ ﴾ [النازعات : ٨] أي يوم ترجف وجفت القلوب، وارتفاع ﴿ قُلُوبٌ ﴾ بالابتداء و ﴿ وَاجِفَةٌ ﴾ صفتها ﴿ أَبْصَـارُهَا ﴾ أي أبصار أصحابها ﴿ خَـاشِعَةٌ ﴾ ذليلة لهول ما ترى حبرها ﴿ يَقُولُونَ ﴾ أي منكرو البعث في الدنيا استهزاء وإنكاراً للبعث ﴿ أَءِنَّا لَمَرْدُودُونَ فِى الْحَافِرَةِ ﴾ استفهام بمعنى الإنكار أي أنرد بعد موتنا إلى أول الأمر فنعود أحياء كما كنا؟ والحافرة الحالة الأولى يقال لمن كان في أمر فخرج منه ثم عاد إليه : رجع إلى حافرته أي إلى حالته الأولى.
ويقال : النقد عند الحافرة أي عند الحالة الأولى، وهي الصفقة أنكروا البعث.
ثم زادوا استبعاداً فقالوا ﴿ أَءِذَا كُنَّا عِظَـامًا نَّخِرَةً ﴾ [النازعات : ١١] بالية : كوفي غير حفص.
وفعل أبلغ من فاعل يقال : نخر العظم فهو نخر وناخر.
والمعنى أنرد إلى الحياة بعد أن صرنا عظاماً بالية؟ و " إذا " منصوب بمحذوف وهو " نبعث " ﴿ شُرَكَآءِى قَالُوا ﴾ [فصلت : ٤٧] أي منكرو البعث ﴿ تِلْكَ ﴾ رجعتنا ﴿ إِذًا كَرَّةٌ خَاسِرَةٌ ﴾ [النازعات : ١٢] رجعة ذات خسران أو خاسر أصحابها، والمعنى أنها إن صحت وبعثنا فنحن إذاً خاسرون لتكذيبنا بها وهذا استهزاء منهم ﴿ فَإِنَّمَا هِىَ زَجْرَةٌ وَاحِدَةٌ ﴾ [النازعات : ١٣] متعلق بمحذوف أي لا تحسبوا تلك الكرة صعبة على الله عز وجل فإنها سهلة هينة في قدرته فما هي إلا صيحة واحدة يريد النفخة الثانية من قولهم : زجر البعير إذا صاح عليه ﴿ فَإِذَا هُم بِالسَّاهِرَةِ ﴾ [النازعات : ١٤] فإذا هم أحياء على وجه الأرض بعدما كانوا أمواتاً في جوفها.
وقيل : الساهرة أرض بعينها بالشأم إلى جنب بيت المقدس أو أرض مكة أو جهنم.
جزء : ٤ رقم الصفحة : ٤٨١
﴿ هَلْ أَتَـاـاكَ حَدِيثُ مُوسَى ﴾ [النازعات : ١٥] استفهام يتضمن التنبيه على أن هذا مما
٤٨٢
يجب أن يشيع والتشريف للمخاطب به ﴿ إِذْ نَادَاـاهُ رَبُّهُ ﴾ [النازعات : ١٦] حين ناداه ﴿ بِالْوَادِ الْمُقَدَّسِ ﴾ [طه : ١٢] المبارك المطهر ﴿ طُوًى ﴾ اسمه ﴿ اذْهَبْ إِلَى فِرْعَوْنَ ﴾ [طه : ٢٤] على إرادة القول ﴿ إِنَّهُ طَغَى ﴾ [طه : ٢٤] تجاوز الحد في الكفر والفساد.
جزء : ٤ رقم الصفحة : ٤٨٢