﴿ فَلا أُقْسِمُ ﴾ [التكوير : ١٥] " لا " زائدة ﴿ بِالْخُنَّسِ ﴾ بالرواجع بينا ترى النجم في آخر البرج إذكرّ راجعاً إلى أوله ﴿ الْجَوَارِ ﴾ السيارة ﴿ الْكُنَّسِ ﴾ الغيب من كنس الوحش إذا دخل كناسه.
قيل : هي الدراري الخمسة : بهرام وزحل وعطارد والزهرة والمشتري، تجري مع الشمس والقمر وترجع حتى تختفي تحت ضوء الشمس، فخنوسها رجوعها وكنوسها اختفاؤها تحت ضوء الشمس.
وقيل : هي جميع الكواكب ﴿ وَالَّيْلِ إِذَا عَسْعَسَ ﴾ [التكوير : ١٧] أقبل بظلامه أو أدبر فهو من الأضداد.
﴿ وَالصُّبْحِ إِذَا تَنَفَّسَ ﴾ [التكوير : ١٨] امتد ضوءه.
ولما كان إقبال الصبح يلازمه الروح والنسيم جعل ذلك نفساً له مجازاً وجواب القسم ﴿ إِنَّهُ ﴾ أي القرآن ﴿ لَقَوْلُ رَسُولٍ ﴾ [الحاقة : ٤٠] أي جبريل عليه السلام.
وإنما أضيف القرآن إليه لأنه هو الذي نزل به ﴿ كَرِيمٍ ﴾ عند ربه ﴿ ذِى قُوَّةٍ ﴾ [التكوير : ٢٠] قدرة على ما يكلف لا يعجز عنه ولا يضعف ﴿ عِندَ ذِى الْعَرْشِ ﴾ [التكوير : ٢٠] عند الله ﴿ مَكِينٍ ﴾ ذي جاه ومنزلة.
ولما كانت على حال المكانة على حسب حال المكين قال ﴿ عِندَ ذِى الْعَرْشِ ﴾ [التكوير : ٢٠] ليدل على عظم منزلته ومكانته ﴿ مُّطَاعٍ ثَمَّ ﴾ [التكوير : ٢١] أي في السماوات يطيعه من فيها أو عند ذي العرش أي عند الله يطيعه ملائكته المقربون يصدرون عن أمره ويرجعون إلى رأيه ﴿ أَمِينٍ ﴾ على الوحي ﴿ وَمَا صَاحِبُكُم ﴾ [التكوير : ٢٢] يعني محمداً صلى الله عليه وسلّم ﴿ بِمَجْنُونٍ ﴾ كما تزعم الكفرة وهو عطف على جواب القسم.
﴿ وَلَقَدْ رَءَاهُ ﴾ [التكوير : ٢٣] رأى محمد جبريل عليهما السلام على صورته ﴿ بِالافُقِ الْمُبِينِ ﴾ [التكوير : ٢٣] بمطلع الشمس ﴿ وَمَا هُوَ عَلَى الْغَيْبِ ﴾ [التكوير : ٢٤] وما محمد على الوحي ﴿ بِضَنِينٍ ﴾ ببخيل من الضن وهو البخل أي لا يبخل بالوحي كما يبخل الكهان رغبة في الحلوان بل يعلمه كما علم ولا يكتم شيئاً مما علم.
مكي وأبو عمرو وعلي أي بمتهم
٤٩٢
فينقص شيئاً مما أوحي إليه أو يزيد فيه من الظنة وهي التهمة ﴿ لَمَجْنُونٌ * وَمَا هُوَ ﴾ [القلم : ٥٢] وما القرآن ﴿ بِقَوْلِ شَيْطَـانٍ رَّجِيمٍ ﴾ [التكوير : ٢٥] طريد وهو كقوله :﴿ وَمَا تَنَزَّلَتْ بِهِ الشَّيَـاطِينُ ﴾ [الشعراء : ٢١٠] (الشعراء : ٠١٢).
أي ليس هو بقول بعض المسترقة للسمع وبوحيهم إلى أوليائهم من الكهنة ﴿ فَأيْنَ تَذْهَبُونَ ﴾ [التكوير : ٢٦] استضلال لهم كما يقال لتارك الجادة اعتسافاً أو ذهاباً في بنيات الطريق أي تذهب؟.
مثلت حالهم بحاله في تركهم الحق وعدو لهم عنه إلى الباطل.
وقال الزجاج : معناه فأي طريق تسلكون أبين من هذه الطريقة التي بينت لكم؟ وقال الجنيد : فأين تذهبون عنا وإن من شيء إلا عندنا ﴿ إِنْ هُوَ إِلا ذِكْرٌ لِّلْعَـالَمِينَ ﴾ [يوسف : ١٠٤] ما القرآن إلا عظة للخلق ﴿ لِمَن شَآءَ مِنكُمْ ﴾ [المدثر : ٣٧] بدل من ﴿ الْعَـالَمِينَ ﴾ ﴿ أَن يَسْتَقِيمَ ﴾ [التكوير : ٢٨] أي القرآن ذكر لمن شاء الاستقامة يعني أن الذين شاؤوا الاستقامة بالدخول في الإسلام هم المنتفعون بالذكر فكأنه لم يوعظ به غيرهم وإن كانوا موعوظين جميعاً ﴿ وَمَا تَشَآءُونَ ﴾ [الإنسان : ٣٠] الاستقامة ﴿ إِلا أَن يَشَآءَ اللَّهُ رَبُّ الْعَـالَمِينَ ﴾ [التكوير : ٢٩] مالك الخلق أجمعين.
٤٩٣
سورة الانفطار
مكية وهي تسع عشرة آية

بسم الله الرحمن الرحيم



الصفحة التالية
Icon