﴿ إِذَا السَّمَآءُ انفَطَرَتْ ﴾ [الانفطار : ١] انشقت ﴿ وَإِذَا الْكَوَاكِبُ انتَثَرَتْ ﴾ [الانفطار : ٢] تساقطت ﴿ وَإِذَا الْبِحَارُ فُجِّرَتْ ﴾ [الانفطار : ٣] فتح بعضها إلى بعض وصارت البحار بحراً واحداً ﴿ وَإِذَا الْقُبُورُ بُعْثِرَتْ ﴾ [الانفطار : ٤] بحثت وأخرج موتاها وجواب " إذا " ﴿ عَلِمَتْ نَفْسٌ ﴾ [التكوير : ١٤] أي كل نفس برة وفاجرة ﴿ مَّا قَدَّمَتْ ﴾ [الحشر : ١٨] ما عملت من طاعة ﴿ وَأَخَّرَتْ ﴾ وتركت فلم تعمل أو ما قدمت من الصدقات وما أخرت من الميراث ﴿ يَـا أَيُّهَا الانسَـانُ ﴾ [الانشقاق : ٦] قيل : الخطاب لمنكري البعث ﴿ مَا غَرَّكَ بِرَبِّكَ الْكَرِيمِ * الَّذِى خَلَقَكَ فَسَوَّاـاكَ ﴾ [الانفطار : ٦، ٧] أي شيء خدعك حتى ضيعت ما وجب عليك مع كرم ربك حيث أنعم عليك بالخلق والتسوية والتعديل؟ وعنه عليه السلام حين تلاها غره جهله.
وعن عمر رضي الله عنه : غره حمقه.
وعن الحسن : غره شيطانه.
وعن الفضيل : لو خوطبت أقول غرتني ستورك المرخاة.
وعن يحيى بن معاذ أقول : غرني برك بي سالفاً وآنفاً ﴿ فَسَوَّاـاكَ ﴾ فجعلك مستوي الخلق سالم الأعضاء ﴿ فَعَدَلَكَ ﴾ فصيّرك معتدلاً متناسب الخلق من غير تفاوت فيه فلم يجعل إحدى اليدين أطول، ولا إحدى العينين أوسع،
٤٩٤
ولا بعض الأعضاء أبيض وبعضها أسود، أو جعلك معتدل الخلق تمشي قائماً لا كالبهائم.
وبالتخفيف : كوفي وهو بمعنى المشدد أي عدّل بعض أعضائك ببعض حتى اعتدلت فكنت معتدل الخلقة متناسباً ﴿ فِى أَيَّامٍ مَّعْدُودَاتٍ فَمَن تَعَجَّلَ فِى يَوْمَيْنِ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ وَمَن تَأَخَّرَ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ لِمَنِ اتَّقَى وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّكُمْ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ ﴾ " ما " مزيد للتوكيد أي ركبك في أي صورة اقتضتها مشيئته من الصور المختلفة في الحسن والقبح والطول والقصر، ولم تعطف هذه الجملة كما عطف ما قبلها لأنها بيان لـ والجار يتعلق بـ ﴿ شَآءَ رَكَّبَكَ ﴾ [الانفطار : ٨] على معنى وضعك في بعض الصور ومكنك فيها، أو بمحذوف أي ركبك حاصلاً في بعض الصور.
جزء : ٤ رقم الصفحة : ٤٩٤
﴿ كَلا ﴾ ردع عن الغفلة عن الله تعالى ﴿ بَلْ تُكَذِّبُونَ بِالدِّينِ ﴾ [الانفطار : ٩] أصلاً وهو الجزاء أو دين الإسلام فلا تصدقون ثواباً ولا عقاباً ﴿ وَإِنَّ عَلَيْكُمْ لَحَـافِظِينَ ﴾ [الانفطار : ١٠] أعمالكم وأقوالكم من الملائكة ﴿ كِرَامًا كَـاتِبِينَ ﴾ [الانفطار : ١١] يعني أنكم تكذبون بالجزاء والكاتبون يكتبون عليكم أعمالكم لتجازوا بها ﴿ يَعْلَمُونَ مَا تَفْعَلُونَ ﴾ [الانفطار : ١٢] لا يخفى عليهم شيء من أعمالكم.
وفي تعظيم الكتبة بالثناء عليهم تعظيم لأمر الجزاء وأنه عند الله من جلائل الأمور، وفيه إنذار وتهويل للمجرمين ولطف للمتقين.
وعن الفضيل أنه كان إذا قرأها قال : ما أشدها من آية على الغافلين ﴿ إِنَّ الابْرَارَ لَفِى نَعِيمٍ ﴾ [الانفطار : ١٣] إن المؤمنين لفي نعيم الجنة ﴿ وَإِنَّ الْفُجَّارَ لَفِى جَحِيمٍ ﴾ [الانفطار : ١٤] وإن الكفار لفي النار ﴿ يَصْلَوْنَهَا يَوْمَ الدِّينِ ﴾ [الانفطار : ١٥] يدخلونها يوم الجزاء.
﴿ وَمَا هُمَ عَنْهَا بِغَآ ـاِبِينَ ﴾ [الانفطار : ١٦] أي لا يخرجون منها كقوله تعالى :﴿ وَمَا هُم بِخَـارِجِينَ مِنْهَا ﴾ [المائدة : ٣٧] (البقرة : ٧٦١).
ثم عظم شأن يوم القيامة فقال ﴿ وَمَآ أَدْرَاـاكَ مَا يَوْمُ الدِّينِ * ثُمَّ مَآ أَدْرَاـاكَ مَا يَوْمُ الدِّينِ ﴾ فكرر للتأكيد والتهويل وبينه بقوله ﴿ يَوْمَ لا تَمْلِكُ نَفْسٌ لِّنَفْسٍ شيئا ﴾ [الانفطار : ١٩] أي لا تستطيع دفعاً عنها ولا نفعاً لها بوجه وإنما تملك الشفاعة بالإذن.
﴿ يَوْمَ ﴾ بالرفع : مكي وبصري أي هو يوم، أو بدل من ﴿ يَوْمَ الدِّينِ ﴾ [الفاتحة : ٤] ومن نصب فبإضمار " اذكر " أو بإضمار يدانون لأن الدين يدل عليه ﴿ وَالامْرُ يَوْمَـاـاِذٍ لِّلَّهِ ﴾ [الانفطار : ١٩] أي لا أمر إلا لله تعالى وحده فهو القاضي فيه دون غيره.
٤٩٥


الصفحة التالية
Icon