سورة المطففين
مختلف فيها وهي ست وثلاثون آية
بسم الله الرحمن الرحيم
﴿ وَيْلٌ ﴾ مبتدأ خبره ﴿ لِّلْمُطَفِّفِينَ ﴾ للذين يبخسون حقوق الناس في الكيل والوزن ﴿ الَّذِينَ إِذَا اكْتَالُوا عَلَى النَّاسِ يَسْتَوْفُونَ ﴾ [المطففين : ٢] أي إذا أخذوا بالكيل من الناس يأخذون حقوقهم وافية تامة.ولما كان اكتيالهم من الناس اكتيالاً يضرهم ويتحامل فيه عليهم أبدل على مكان من للدلالة على ذلك، ويجوز أن يتعلق " على " بـ ﴿ يَسْتَوْفُونَ ﴾ ويقدم المفعول على الفعل لإفادة الاختصاص أي يستوفون على الناس خاصة.
وقال الفراء :" من " و " على " يعتقبان في هذا الموضع لأنه حق عليه، فإذا قال : اكتلت عليك فكأنه قال : أخذت ما عليك، وإذا قال : اكتلت منك فكأنه قال : استوفيت منك.
والضمير المنصوب في ﴿ وَإِذَا كَالُوهُمْ أَو وَّزَنُوهُمْ ﴾ [المطففين : ٣] راجع إلى الناس أي كالوا لهم أو وزنوا لهم فحذف الجار وأوصل الفعل.
وإنما لم يقل أو اتزنوا كما قيل ﴿ أَو وَّزَنُوهُمْ ﴾ [المطففين : ٣] اكتفاء، ويحتمل أن المطففين كانوا لا يأخذون ما يكال ويوزن إلا بالمكاييل لتمكنهم بالاكتيال من الاستيفاء والسرقة لأنهم يدعدعون ويحتالون في الملء، وإذا أعطوا كالوا أو وزنوا لتمكنهم من البخس في النوعين ﴿ يُخْسِرُونَ ﴾ ينقصون
٤٩٦
يقال خسر الميزان وأخسره.
جزء : ٤ رقم الصفحة : ٤٩٦
﴿ أَلا يَظُنُّ أؤلئك أَنَّهُم مَّبْعُوثُونَ * لِيَوْمٍ عَظِيمٍ ﴾ يعني يوم القيامة.
أدخل همزة الاستفهام على " لا " النافية توبيخاً وليست " ألا " هذه للتنبيه، وفيه إنكار وتعجيب عظيم من حالهم في الاجتراء على التطفيف كأنهم لا يخطرون ببالهم ولا يخمنون تخميناً أنهم مبعوثون ومحاسبون على مقدار الذرة، ولو ظنوا أنهم يبعثون ما نقصوا في الكيل والوزن.
وعن عبد الملك بن مروان أن أعرابياً قال له : لقد سمعت ما قال الله في المطففين، أراد بذلك أن المطفف قد توجه عليه الوعيد العظيم الذي سمعت به فما ظنك بنفسك وأنت تأخذ أموال المسلمين بلا كيل ولا وزن ونصب؟ ﴿ يَوْمَ يَقُومُ النَّاسُ ﴾ [المطففين : ٦] بمبعوثون ﴿ لِرَبِّ الْعَـالَمِينَ ﴾ [البقرة : ١٣١] لأمره وجزائه.
وعن ابن عمر رضي الله عنهما أنه قرأ هذه السورة فلما بلغ هنا بكى نحيباً وامتنع من قراءة ما بعده ﴿ كَلا ﴾ ردع وتنبيه أي ردعهم عما كانوا عليه من التطفيف والغفلة عن البعث والحساب، ونبههم على أنه مما يجب أن يتاب عنه ويندم عليه.
ثم اتبعه وعيد الفجار على العموم فقال ﴿ إِنَّ كِتَـابَ الْفُجَّارِ ﴾ [المطففين : ٧] صحائف أعمالهم ﴿ لَفِى ﴾ ﴿ سِجِّينٍ ﴾ فإن قلت : قد أخبر الله تعالى عن كتاب الفجار بأنه في سجين وفسر سجيناً بكتاب مرقوم فكأنه قيل : إن كتابهم في كتاب مرقوم فما معناه؟ قلت : سجين كتاب جامع هو ديوان الشرّ دوّن الله فيه أعمال الشياطين والكفرة من الجن والإنس، وهو كتاب مرقوم مسطور بيّن الكتابة، أو معلم يعلم من رآه أنه لا خير فيه من رقم الثياب علامتها.
والمعنى أن ما كتب من أعمال الفجار مثبت في ذلك الديوان.
وسمي سجيناً فعّيلاً من السجن وهو الحبس والتضييق لأنه سبب الحبس والتضييق في جهنم، أو لأنه مطروح تحت الأرض السابعة في مكان وحش مظلم وهو مسكن إبليس وذريته، وهو اسم علم منقول من وصف كحاتم منصرف لوجود سبب واحد وهو العلمية فحسب ﴿ وَيْلٌ يَوْمَـاـاِذٍ ﴾ [المرسلات : ١٥] يوم يخرج المكتوب ﴿ لِّلْمُكَذِّبِينَ * الَّذِينَ يُكَذِّبُونَ بِيَوْمِ الدِّينِ ﴾ الجزاء والحساب ﴿ وَمَا يُكَذِّبُ بِهِ ﴾ [المطففين : ١٢] بذلك اليوم ﴿ إِلا كُلُّ مُعْتَدٍ ﴾ [المطففين : ١٢] مجاوز للحد
٤٩٧
﴿ أَثِيمٍ ﴾ مكتسب للإثم ﴿ إِذَا تُتْلَى عَلَيْهِ ءَايَـاتُنَا ﴾ [القلم : ١٥] أي القرآن ﴿ قَالَ أَسَـاطِيرُ الاوَّلِينَ ﴾ [القلم : ١٥] أي أحاديث المتقدمين.
وقال الزجاج : أساطير أباطيل واحدها أسطورة مثل أحدوثة وأحاديث.
جزء : ٤ رقم الصفحة : ٤٩٦