﴿ كَلا ﴾ ردع للمعتدي الأثيم عن هذا القول ﴿ بَلْ ﴾ نفي لما قالوا ويقف حفص على ﴿ بَلْ ﴾ وقيفة ﴿ رَانَ عَلَى قُلُوبِهِم مَّا كَانُوا يَكْسِبُونَ ﴾ [المطففين : ١٤] عطاها كسبهم أي غلب على قلوبهم حتى غمرها ما كانوا يكسبون من المعاصي.
وعن الحسن : الذنب بعد الذنب حتى يسودّ القلب.
وعن الضحاك : الرين موت القلب.
وعن أبي سليمان : الرين والقسوة زماماً الغفلة ودواؤهما إدمان الصوم فإن وجد بعد ذلك قسوة فليترك الإدام.
﴿ كَلا ﴾ عن الكسب الرائن على القلب ﴿ إِنَّهُمْ عَن رَّبِّهِمْ ﴾ [المطففين : ١٥] عن رؤية ربهم ﴿ يَوْمَـاـاِذٍ لَّمَحْجُوبُونَ ﴾ [المطففين : ١٥] لممنوعون والحجب : المنع قال الزجاج : في الآية دليل على أن المؤمنين يرون ربهم وإلا لا يكون التخصيص مفيداً.
وقال الحسين بن الفضل : كما حجبهم في الدنيا عن توحيده حجبهم في العقبى عن رؤيته.
وقال مالك بن أنس رحمه الله : لما حجب أعداءه فلم يروه تجلى لأوليائه حتى رأوه.
وقيل : عن كرامة ربهم لأنهم في الدنيا لم يشكروا نعمه فيئسوا في الآخرة عن كرامته مجازاة.
والأول أصح لأن الرؤية أقوى الكرامات فالحجب عنها دليل الحجب عن غيرها ﴿ ثُمَّ إِنَّهُمْ لَصَالُوا الْجَحِيمِ ﴾ [المطففين : ١٦] ثم بعد كونهم محجوبين عن ربهم لداخلون النار ﴿ ثُمَّ يُقَالُ هَـاذَا الَّذِى كُنتُم بِهِ تُكَذِّبُونَ ﴾ [المطففين : ١٧] أي هذا العذاب هو الذي كنتم تكذبون به في الدنيا وتنكرون وقوعه ﴿ كَلا ﴾ ردع عن التكذيب ﴿ إِنَّ كِتَـابَ الابْرَارِ ﴾ [المطففين : ١٨] ما كتب من أعمالهم والأبرار المطيعون الذين لا يطففون ويؤمنون بالبعث لأنه ذكر في مقابلة الفجار، وبيّن الفجار بأنهم المكذبون بيوم الدين.
وعن الحسن : البر الذي لا يؤذي
٤٩٨
الذر ﴿ لَفِى عِلِّيِّينَ ﴾ [المطففين : ١٨] هو علم لديوان الخير الذي دوّن فيه كل ما عملته الملائكة وصلحاء الثقلين منقول من جمع " عليّ " فعيل من العلو سمي به لأنه سبب الارتفاع إلى أعالي الدرجات في الجنة، أو لأنه مرفوع في السماء السابعة حيث يسكن الكروبيون تكريماً له ﴿ وَمَآ أَدْرَاـاكَ ﴾ [
جزء : ٤ رقم الصفحة : ٤٩٦
الحاقة : ٣] ما الذي أعلمك يا محمد ﴿ مَا عِلِّيُّونَ ﴾ [المطففين : ١٩] أي شيء هو ﴿ كِتَـابٌ مَّرْقُومٌ * يَشْهَدُهُ الْمُقَرَّبُونَ ﴾ تحضره الملائكة.
قيل : يشهد عمل الأبرار مقربو كل سماء إذا رفع ﴿ إِنَّ الابْرَارَ لَفِى نَعِيمٍ ﴾ [الانفطار : ١٣] تنعم في الجنان ﴿ عَلَى الارَآ ـاِكِ ﴾ [الإنسان : ١٣] الأسرة في الحجال ﴿ يَنظُرُونَ ﴾ إلى كرامة الله ونعمه وإلى أعدائهم كيف يعذبون ﴿ تَعْرِفُ فِى وُجُوهِهِمْ نَضْرَةَ النَّعِيمِ ﴾ [المطففين : ٢٤] بهجة التنعم وطراوته ﴿ يُسْقَوْنَ مِن رَّحِيقٍ ﴾ [المطففين : ٢٥] شراب خالص لا غش فيه ﴿ مَّخْتُومٍ * خِتَـامُهُ مِسْكٌ ﴾ تختم أوانيه بمسك بدل الطين الذي يختم به الشراب في الدنيا.
أمر الله تعالى بالختم عليه إكراماً لأصحابه أو ختامه مسك مقطعه رائحة مسك أي توجد رائحة المسك عند خاتمة شربه.
عليّ ﴿ مِسْكٌ وَفِى ذَالِكَ ﴾ [المطففين : ٢٦] الرحيق أو النعيم ﴿ فَلْيَتَنَافَسِ الْمُتَنَـافِسُونَ ﴾ [المطففين : ٢٦] فليرغب الراغبون وذا إنما يكون بالمسارعة إلى الخيرات والانتهاء عن السيئات ﴿ وَمِزَاجُهُ ﴾ ومزاج الرحيق ﴿ مِن تَسْنِيمٍ ﴾ [المطففين : ٢٧] هو علم لعين بعينها سميت بالتسنيم الذي هو مصدر سنّمه إذا رفعه لأنها أرفع شراب في الجنة، أو لأنها تأتيهم من فوق وتنصب في أوانيهم ﴿ عَيْنًا ﴾ حال أو نصب على المدح ﴿ يَشْرَبُ بِهَا ﴾ [الإنسان : ٦] أي منها ﴿ الْمُقَرَّبُونَ ﴾ عن ابن عباس وابن مسعود رضي الله عنهم : يشربها المقربون صرفاً وتمزج لأصحاب اليمين.
﴿ إِنَّ الَّذِينَ أَجْرَمُوا ﴾ [المطففين : ٢٩] كفروا ﴿ كَانُوا مِنَ الَّذِينَ ءَامَنُوا يَضْحَكُونَ ﴾ [المطففين : ٢٩] في الدنيا استهزاء بهم.
﴿ وَإِذَا مَرُّوا بِهِمْ يَتَغَامَزُونَ ﴾ [المطففين : ٣٠] يشير بعضهم إلى بعض بالعين طعناً فيهم وعيباً لهم.
قيل : جاء علي رضي الله عنه في نفر من المسلمين فسخر منهم المنافقون وضحكوا وتغامزوا وقالوا : أترون هذا الأصلع فنزلت قبل أن يصل عليّ إلى رسول
٤٩٩