الله صلى الله عليه وسلّم ﴿ وَإِذَا انقَلَبُوا إِلَى أَهْلِهِمُ ﴾ [المطففين : ٣١] أي إذا رجع إلى الكفار منازلهم ﴿ انقَلَبُوا فَكِهِينَ ﴾ [المطففين : ٣١] متلذذين بذكرهم والسخرية منهم.
وقرأ غير حفص ﴿ فَكِهِينَ ﴾ أي فرحين ﴿ وَإِذَا رَأَوْهُمْ ﴾ [المطففين : ٣٢] وإذا رأى الكافرون المؤمنين ﴿ قَالُوا إِنَّ هؤلاء لَضَآلُّونَ ﴾ أي خدع محمد هؤلاء فضلوا وتركوا اللذات لما يرجونه في الآخرة من الكرامات، فقد تركوا الحقيقة بالخيال وهذا هو عين الضلال ﴿ وَمَآ أُرْسِلُوا ﴾ [المطففين : ٣٣] وما أرسل الكفار ﴿ عَلَيْهِمْ ﴾ على المؤمنين ﴿ حَـافِظِينَ ﴾ يحفظون عليهم أحوالهم ويرقبون أعمالهم بل أمروا بإصلاح أنفسهم واشتغالهم بذلك أولى بهم من تتبع غيرهم وتسفيه أحلامهم ﴿ فَالْيَوْمَ ﴾ من يوم القيامة ﴿ الَّذِينَ ءَامَنُوا مِنَ الْكُفَّارِ يَضْحَكُونَ ﴾ [المطففين : ٣٤] ثم كما ضحكوا منهم هنا مجازاة ﴿ عَلَى الارَآ ـاِكِ يَنظُرُونَ ﴾ [المطففين : ٢٣] حال أي يضحكون منهم ناظرين إليهم وإلى ما هم فيه من الهوان والصغار بعد العزة والاستكبار وهم على الأرائك آمنون.
وقيل : يفتح للكفار باب إلى الجنة فيقال لهم : هلموا إلى الجنة، فإذا وصلوا إليها أغلق دونهم فيضحك المؤمنون منهم ﴿ هَلْ ثُوِّبَ الْكُفَّارُ مَا كَانُوا يَفْعَلُونَ ﴾ [المطففين : ٣٦] هل جوزوا بسخريتهم بالمؤمنين في الدنيا إذا فعل بهم ما ذكر؟ والله أعلم.
٥٠٠
سورة الانشقاق
مكية وهي خمس وعشرون آية
بسم الله الرحمن الرحيم
﴿ إِذَا السَّمَآءُ انشَقَّتْ ﴾ [الانشقاق : ١] تصدعت وتشققت ﴿ وَأَذِنَتْ لِرَبِّهَا ﴾ [الانشقاق : ٢] سمعت وأطاعت وأجابت ربها إلى الانشقاق ولم تأب ولم تمتنع ﴿ وَحُقَّتْ ﴾ وحق لها أن تسمع وتطيع لأمر الله إذ هي مصنوعة مربوبة لله تعالى ﴿ وَإِذَا الارْضُ مُدَّتْ ﴾ [الانشقاق : ٣] بسطت وسويت باندكاك جبالها وكل أمت فيها ﴿ وَأَلْقَتْ مَا فِيهَا ﴾ [الانشقاق : ٤] ورمت ما في جوفها من الكنوز والموتى ﴿ وَتَخَلَّتْ ﴾ وخلت غاية الخلو حتى لم يبق شيء في باطنها كأنها تكلفت أقصى جهدها في الخلو.يقال : تكرم الكريم إذا بلغ جهده في الكرم وتكلف فوق ما في طبعه ﴿ وَأَذِنَتْ لِرَبِّهَا ﴾ [الانشقاق : ٢] في إلقاء ما في بطنها وتخليها ﴿ وَحُقَّتْ ﴾ وهي حقيقة بأن تنقاد ولا تمتنع، وحذف جواب " إذا " ليذهب المقدر كل مذهب، أو اكتفاء بما على بمثلها من سورتي التكوير والانفطار، أو جوابه ما دل عليه ﴿ فَمُلَـاقِيهِ ﴾ أي إذا السماء انشقت لاقى الإنسان كدحه.
جزء : ٤ رقم الصفحة : ٥٠٠
﴿ يَـا أَيُّهَا الانسَـانُ ﴾ [الانشقاق : ٦] خطاب للجنس ﴿ إِنَّكَ كَادِحٌ إِلَى رَبِّكَ كَدْحًا ﴾ [الانشقاق : ٦] جاهد
٥٠١
إلى لقاء ربك وهو الموت وما بعده من الحال الممثلة باللقاء ﴿ فَمُلَـاقِيهِ ﴾ الضمير للكدح وهو جهد النفس في العمل والكد فيه حتى يؤثر فيها، والمراد جزاء الكدح إن خيراً فخير وإن شراً فشر.
وقيل : لقاء الكدح لقاء كتاب فيه ذلك الكدح يدل عليه قوله ﴿ فَأَمَّا مَنْ أُوتِىَ كِتَـابَهُ بِيَمِينِهِ ﴾ [الحاقة : ١٩] أي كتاب عمله ﴿ فَسَوْفَ يُحَاسَبُ حِسَابًا يَسِيرًا ﴾ [الانشقاق : ٨] سهلاً هيناً وهو أن يجازي على الحسنات ويتجاوز عن السيئات.
وفي الحديث " من يحاسب يعذب " فقيل : فأين قوله ﴿ فَسَوْفَ يُحَاسَبُ حِسَابًا يَسِيرًا ﴾ [الانشقاق : ٨]؟ قال :" ذلكم العرض من نوقش في الحساب عذب " ﴿ وَيَنقَلِبُ إِلَى أَهْلِهِ ﴾ [الانشقاق : ٩] إلى عشيرته إن كانوا مؤمنين، أو إلى فريق المؤمنين، أو إلى أهله في الجنة من الحور العين ﴿ مَسْرُورًا ﴾ فرحاً ﴿ وَأَمَّا مَنْ أُوتِىَ كِتَـابَهُ وَرَآءَ ظَهْرِهِ ﴾ [الانشقاق : ١٠] قيل : تغل يمناه إلى عنقه وتجعل شماله وراء ظهره فيؤتى كتابه بشماله من وراء ظهره ﴿ فَسَوْفَ يَدْعُوا ثُبُورًا ﴾ يقول : يا ثبوراه والثبور الهلاك ﴿ وَيَصْلَى ﴾ عراقي غير علي ﴿ سَعِيرًا ﴾ أي ويدخل جهنم ﴿ إِنَّهُ كَانَ ﴾ [الإسراء : ٣٠] في الدنيا ﴿ فِى أَهْلِهِ ﴾ [الانشقاق : ١٣] معهم ﴿ مَسْرُورًا ﴾ بالكفر يضحك ممن آمن بالبعث.
قيل : كان لنفسه متابعاً وفي مراتع هواه راتعاً.
جزء : ٤ رقم الصفحة : ٥٠١