﴿ إِنَّهُ ظَنَّ أَن لَّن يَحُورَ ﴾ [الانشقاق : ١٤] لن يرجع إلى ربه تكذيباً بالبعث.
قال ابن عباس رضي الله عنهما : ما عرفت تفسيره حتى سمعت أعرابية تقول لبنتها : حوري أي ارجعي ﴿ بَلَى ﴾ إيجاب لما بعد النفي في ﴿ لَّن يَحُورَ ﴾ [الانشقاق : ١٤] أي بلى ليحورن ﴿ إِنَّ رَبَّهُ كَانَ بِهِ ﴾ [الانشقاق : ١٥] وبأعماله ﴿ بَصِيرًا ﴾ لا يخفى عليه فلا بد أن يرجعه ويجازيه عليها.
﴿ فَلا أُقْسِمُ بِالشَّفَقِ ﴾ [الانشقاق : ١٦] فأقسم بالبياض بعد الحمرة أو الحمرة ﴿ وَالَّيْلِ وَمَا وَسَقَ ﴾ [الانشقاق : ١٧] جمع وضم والمراد ما جمعه من الظلمة والنجم، أو من عمل فيه من التهجد وغيره ﴿ وَالْقَمَرِ إِذَا اتَّسَقَ ﴾ [الانشقاق : ١٨] اجتمع وتم بدراً افتعل من الوسق ﴿ لَتَرْكَبُنَّ ﴾ أيها الإنسان على إرادة الجنس ﴿ طَبَقًا عَن طَبَقٍ ﴾ [الانشقاق : ١٩] حالاً بعد حال، كل واحدة مطابقة لأختها في الشدة والهول.
والطبق ما طابق غيره يقال : ما هذا بطبق لذا أي لا يطابقه، ومنه قيل للغطاء الطبق، ويجوز أن يكون جمع طبقة وهي المرتبة من قولهم : هو على طبقات، أي لتركبن أحوالاً بعد أحوال هي طبقات في الشدة بعضها أرفع من بعض
٥٠٢
وهي الموت وما بعده من مواطن القيامة وأهوالها.
ومحل ﴿ عَن طَبَقٍ ﴾ [الانشقاق : ١٩] نصب على أنه صفة لـ ﴿ طَبَقًا ﴾ أي طبقاً مجاوزاً لطبق، أو حال من الضمير في ﴿ لَتَرْكَبُنَّ ﴾ أي لتركبن طبقاً مجاوزين لطبق.
وقال مكحول : في كل عشرين عاماً تجدون أمراً لم تكونوا عليه.
وبفتح الباء : مكي وعلي وحمزة.
والخطاب له عليه السلام أي طبقاً من طباق السماء بعد طبق أي في المعراج.
﴿ فَمَا لَهُمْ لا يُؤْمِنُونَ ﴾ [الانشقاق : ٢٠] فما لهم في أن لا يؤمنوا ﴿ وَإِذَا قُرِى َ عَلَيْهِمُ الْقُرْءَانُ لا يَسْجُدُونَ ﴾ [الانشقاق : ٢١] لا يخضعون ﴿ بَلِ الَّذِينَ كَفَرُوا يُكَذِّبُونَ ﴾ [الانشقاق : ٢٢] بالبعث والقرآن ﴿ وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا يُوعُونَ ﴾ [الانشقاق : ٢٣] بما يجمعون في صدورهم ويضمرون من الكفر وتكذيب النبي صلى الله عليه وسلّم، أو بما يجمعون في صحفهم من أعمال السوء ويدخرون لأنفسهم من أنواع العذاب ﴿ فَبَشِّرْهُم بِعَذَابٍ أَلِيمٍ ﴾ [آل عمران : ٢١] أخبرهم خبراً يظهر أثره على بشرتهم ﴿ إِلا الَّذِينَ ءَامَنُوا وَعَمِلُوا الصَّـالِحَـاتِ ﴾ [ص : ٢٤] استثناء منقطع ﴿ لَهُمْ أَجْرٌ غَيْرُ مَمْنُون ﴾ [فصلت : ٨] غير مقطوع أو غير منقوص والله أعلم.
٥٠٣
سورة البروج
مكية وهي اثنتان وعشرون آية

بسم الله الرحمن الرحيم

﴿ وَالسَّمَآءِ ذَاتِ الْبُرُوجِ ﴾ [البروج : ١] هي البروج الاثنا عشر.
وقيل : النجوم أو عظام الكواكب ﴿ وَالْيَوْمِ الْمَوْعُودِ ﴾ [البروج : ٢] يوم القيامة ﴿ وَشَاهِدٍ وَمَشْهُودٍ ﴾ [البروج : ٣] أي وشاهد في ذلك اليوم ومشهود فيه، والمراد بالشاهد من يشهد فيه من الخلائق كلهم، وبالمشهود فيه ما في ذلك اليوم من عجائبه.
وطريق تنكيرهما إما ما ذكرته في قوله ﴿ عَلِمَتْ نَفْسٌ مَّآ أَحْضَرَتْ ﴾ [التكوير : ١٤] (التكوير : ٤١) كأنه قيل : ما أفرطت كثرته من شاهد ومشهود، وإما للإبهام في الوصف كأنه قيل : وشاهد ومشهود لا يكتنه وصفهما.
وقد كثرت أقاويل المفسرين فيهما فقيل : محمد صلى الله عليه وسلّم ويوم القيامة أو عيسى وأمته لقوله :﴿ وَكُنتُ عَلَيْهِمْ شَهِيدًا مَّا دُمْتُ فِيهِمْ ﴾ [المائدة : ١١٧] (المائدة : ٧١١).
أو أمة محمد وسائر الأمم، أو الحجر الأسود والحجيج، أو الأيام والليالي وبنو آدم للحديث :" ما من يوم إلا وينادي أنا يوم جديد وعلى ما يفعل فيّ شهيد فاغتنمني فلو غابت شمسي لم تدركني إلى يوم القيامة ".
أو الحفظة وبنو آدم، أو الله تعالى والخلق لقوله تعالى :﴿ وَكَفَى بِاللَّهِ شَهِيدًا ﴾ [النساء : ٧٩] (النساء : ٩٧) أو الأنبياء ومحمد عليهم السلام.
وجواب القسم محذوف يدل عليه
٥٠٤
﴿ قُتِلَ أَصْحَـابُ الاخْدُودِ ﴾ [البروج : ٤] أي لعن كأنه قيل : أقسم بهذه الأشياء إنهم ملعونون يعني كفار قريش كما لعن أصحاب الأخدود، وهو خد أي شق عظيم في الأرض.
جزء : ٤ رقم الصفحة : ٥٠٤


الصفحة التالية
Icon