﴿ هَلْ ﴾ بمعنى " قد " ﴿ أَتَـاـاكَ حَدِيثُ الْغَـاشِيَةِ ﴾ [الغاشية : ١] الداهية التي تغشى الناس بشدائدها وتلبسهم أهوالها يعني القيامة.
وقيل : النار من قوله :﴿ وَتَغْشَى وُجُوهَهُمُ النَّارُ ﴾ [إبراهيم : ٥٠] (إبراهيم : ٠٥) ﴿ وُجُوهٌ ﴾ أي وجوه الكفار، وإنما خص الوجه لأن الحزن والسرور إذا استحكما في المرء أثراً في وجهه ﴿ يَوْمَـاـاِذٍ ﴾ يوم إذ غشيت ﴿ خَـاشِعَةٌ ﴾ ذليلة لما اعترى أصحابها من الخزي والهوان ﴿ عَامِلَةٌ نَّاصِبَةٌ ﴾ [الغاشية : ٣] تعمل في النار عملاً تتعب فيه وهو جرها السلاسل والأغلال وخوضها في النار كما تخوض الإبل في الوحل، وارتقاؤها دائبة في صعود من نار وهبوطها في حدور منها.
وقيل : عملت في الدنيا أعمال السوء والتذت بها وتنعمت فهي في نصب منها في الآخرة.
وقيل : هم أصحاب الصوامع ومعناه أنها خشعت الله وعملت ونصبت في أعمالها من الصوم الدائب والتهجد الواصب ﴿ تَصْلَى نَارًا حَامِيَةً ﴾ [الغاشية : ٤] تدخل ناراً قد أحميت مدداً طويلة فلا حر يعدل حرها ﴿ تَصْلَى ﴾ أبو عمرو وأبو بكر ﴿ تُسْقَى مِنْ عَيْنٍ ءَانِيَةٍ ﴾ [الغاشية : ٥] من عين ماء قد انتهى حرها، والتأنيث في هذه الصفات والأفعال راجعة إلى الوجوه والمراد أصحابها
٥١٤
بدليل قوله ﴿ لَّيْسَ لَهُمْ طَعَامٌ إِلا مِن ضَرِيعٍ ﴾ [الغاشية : ٦] وهو نبت يقال له الشّبرق فإذا يبس فهو ضريع وهو سم قاتل، والعذاب ألوان والمعذبون طبقات، فمنهم أكلة الزقوم، ومنهم أكلة الغسلين، ومنهم أكلة الضريع، فلا تناقض بين هذه الآية وبين قوله ﴿ وَلا طَعَامٌ إِلا مِنْ غِسْلِينٍ ﴾ [الحاقة : ٣٦] (الحاقة : ٦٣) ﴿ لا يُسْمِنُ ﴾ [الغاشية : ٧] مجرور المحل لأنه وصف ﴿ ضَرِيعٍ ﴾ ﴿ وَلا يُغْنِى مِن جُوعٍ ﴾ [الغاشية : ٧] أي منفعتا الغذاء منتفيتان عنه وهما إماطة الجوع وإفادة السمن في البدن.
جزء : ٤ رقم الصفحة : ٥١٤
﴿ وُجُوهٌ يَوْمَـاـاِذٍ ﴾ [الغاشية : ٢] ثم وصف وجوه المؤمنين ولم يقل ووجوه لأن الكلام الأول قد طال وانقطع ﴿ نَّاعِمَةٌ ﴾ متنعمة في لين العيش ﴿ لِّسَعْيِهَا رَاضِيَةٌ ﴾ [الغاشية : ٩] رضيت بعملها وطاعتها لما رأت ما أداهم إليه من الكرامة والثواب ﴿ فِى جَنَّةٍ عَالِيَةٍ ﴾ [الحاقة : ٢٢] من علو المكان أو المقدار ﴿ لا تَسْمَعُ ﴾ [الغاشية : ١١] يا مخاطب أو الوجوه ﴿ فِيهَا لَـاغِيَةً ﴾ [الغاشية : ١١] أي لغواً أو كلمة ذات لغو أو نفساً تلغو، لا يتكلم أهل الجنة إلا بالحكمة وحمد الله على ما رزقهم من النعيم الدائم.
﴿ لا تَسْمَعُ فِيهَا لَـاغِيَةً ﴾ : مكي وأبو عمرو :﴿ لا تَسْمَعُ فِيهَا لَـاغِيَةً ﴾ [الغاشية : ١١] نافع ﴿ فِيهَا عَيْنٌ جَارِيَةٌ ﴾ [الغاشية : ١٢] أي عيون كثيرة كقوله :﴿ عَلِمَتْ نَفْسٌ ﴾ [التكوير : ١٤] (الانفطار : ٥) ﴿ فِيهَا سُرُرٌ ﴾ [الغاشية : ١٣] جمع سرير ﴿ مَّرْفُوعَةٌ ﴾ من رفعة المقدار أو السمك ليرى المؤمن بجلوسه عليه جميع ما خوله ربه من الملك والنعيم.
﴿ وَأَكْوَابٌ ﴾ جمع كوب وهو القدح.
وقيل : آنية لا عروة لها ﴿ مَّوْضُوعَةٌ ﴾ بين أيديهم ليتلذذوا بها بالنظر إليها أو موضوعة على حافات العيون معدة للشرب ﴿ وَنَمَارِقُ ﴾ وسائد ﴿ مَصْفُوفَةٌ ﴾ بعضها إلى جنب بعص مساند ومطارح أينما أراد أن يجلس جلس على مسودة واستند إلى الأخرى ﴿ وَزَرَابِيُّ ﴾ وبسط عراض فاخرة جمع زربية ﴿ مَبْثُوثَةٌ ﴾ مبسوطة أو مفرقة في المجالس.
جزء : ٤ رقم الصفحة : ٥١٤
ولما أنزل الله تعالى هذه الآيات في صفة الجنة، وفسر النبي عليه السلام بأن ارتفاع السرير يكون مائة فرسخ، والأكواب الموضوعة لا تدخل في حساب الخلق لكثرتها، وطول النمارق كذا وعرض الزرابي كذا، أنكر الكفار وقالوا : كيف يصعد على هذا
٥١٥


الصفحة التالية
Icon