﴿ فَيَوْمَـاـاِذٍ لا يُعَذِّبُ عَذَابَهُا أَحَدٌ ﴾ [الفجر : ٢٥] أي لا يتولى عذاب الله أحد لأن الأمر لله وحده في ذلك اليوم ﴿ وَلا يُوثِقُ ﴾ [الفجر : ٢٦] بالسلاسل والأغلال ﴿ وَثَاقَهُا أَحَدٌ ﴾ [الفجر : ٢٦] قال صاحب الكشاف : لا يعذب أحد أحداً كعذاب الله ولا يوثق أحد أحداً كوثاق الله.
﴿ لا يُعَذِّبُ ﴾ [الفجر : ٢٥] ﴿ وَلا يُوثِقُ ﴾ [الفجر : ٢٦] علي وهي قراءة رسول الله صلى الله عليه وسلّم، ورجع إليها أبو عمرو في آخر عمره، والضمير يرجع إلى الإنسان الموصوف وهو الكافر.
وقيل : هو أبي بن خلف أي لا يعذب أحد مثل عذابه، ولا يوثق بالسلاسل مثل وثاقه لتناهيه في كفره وعناده ثم يقول الله تعالى للمؤمن ﴿ يَـا أَيَّتُهَا النَّفْسُ ﴾ [الفجر : ٢٧] إكراماً له كما كلم موسى عليه السلام أو يكون على لسان ملك ﴿ الْمُطْمَـاـاِنَّةُ ﴾ الآمنة التي لا يستفزها خوف ولا حزن وهي النفس المؤمنة، أو المطمئنة إلى الحق التي سكّنها ثلج اليقين فلا يخالجها شك.
ويشهد للتفسير الأول قراءة أبي ﴿ يَـا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَـاـاِنَّةُ ﴾ وإنما يقال لها عند الموت أو عند البعث أو عند دخول الجنة ﴿ يَـا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَـاـاِنَّةُ * ارْجِعِى إِلَى ﴾ [الفجر : ٢٨] موعد ﴿ رَبُّكَ ﴾ أو ثواب ربك ﴿ رَاضِيَةً ﴾ من الله بما أوتيت ﴿ مَّرْضِيَّةً ﴾ عند الله بما عملت ﴿ فَادْخُلِى فِى عِبَـادِى ﴾ [الفجر : ٢٩] في جملة عبادي الصالحين فانتظمي في سلكهم ﴿ وَادْخُلِى جَنَّتِى ﴾ [الفجر : ٣٠] معهم.
وقال أبو عبيدة : أي مع عبادي أو بين
٥٢٢
عبادي أي خواصي كما قال :﴿ وَأَدْخِلْنِى بِرَحْمَتِكَ فِى عِبَادِكَ الصَّـالِحِينَ ﴾ [النمل : ١٩] (النمل : ٩١).
وقيل : النفس الروح ومعناه فادخلي في أجساد عبادي كقراءة عبد الله بن مسعود ﴿ فِى ﴾ ولما مات ابن عباس بالطائف جاء طائر لم ير على خلقته فدخل في نعشه فلما دفن تليت هذه الآية على شفير القبر ولم يدر من تلاها.
قيل : نزلت في حمزة بن عبد المطلب.
وقيل : في خبيب بن عدي الذي صلبه أهل مكة وجعلوا وجهه إلى المدينة فقال : اللهم إن كان لي عندك خير فحول وجهي نحو قبلتك، فحول الله وجهه نحوها فلم يستطع أحد أن يحوله.
وقيل : هي عامة في المؤمنين إذ العبرة لعموم اللفظ لا لخصوص السبب.
٥٢٣
سورة البلد
مكية وهي عشرون آية

بسم الله الرحمن الرحيم

﴿ وَادْخُلِى جَنَّتِى * لا أُقْسِمُ بِهَـاذَا الْبَلَدِ ﴾ [البلد : ١] أقسم سبحانه بالبلد الحرام وبما بعده على أن الإنسان خلق مغموراً في مكابدة المشاق.
واعترض بين القسم والمقسم عليه بقوله ﴿ وَأَنتَ حِلُّ بِهَـاذَا الْبَلَدِ ﴾ [البلد : ٢] أي ومن المكابدة أن مثلك على عظم حرمتك يستحل بهذا البلد يعني مكة كما يستحل الصيد في غير الحرم.
عن شرحبيل : يحرمون أن يقتلوا بها صيداً ويستحلون إخراجك وقتلك، وفيه تثبيت لرسول الله صلى الله عليه وسلّم وبعث على احتمال ما كان يكابد من أهل مكة، وتعجيب من حالهم في عداوته.
أو سلى رسول الله بالقسم ببلده على أن الإنسان لا يخلو من مقاساة الشدائد، واعترض بأن وعده فتح مكة تتميماً للتسلية والتنفيس عنه فقال :﴿ وَأَنتَ حِلُّ بِهَـاذَا الْبَلَدِ ﴾ [البلد : ٢].
أي وأنت حل به في المستقبل تصنع فيه ما تريد من القتل والأسر، وذلك أن الله تعالى فتح عليه مكة وأحلها له وما فتحت على أحد قبله ولا أحلت له، فأحل ما شاء وحرم ما شاء، قتل ابن خطل وهو متعلق بأستار الكعبة ومقيس بن صبابة وغيرهما، وحرم دار أبي
٥٢٤
سفيان ونظير قوله ﴿ وَأَنتَ حِلُّ ﴾ [البلد : ٢] في الاستقبال قوله :﴿ إِنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُم مَّيِّتُونَ ﴾ [الزمر : ٣٠] (الزمر : ٠٣).
وكفاك دليلاً على أنه للاستقبال أن السورة مكية بالاتفاق، وأين الهجرة من وقت نزولها فما بال الفتح؟
جزء : ٤ رقم الصفحة : ٥٢٤


الصفحة التالية
Icon