﴿ كَلا ﴾ ردع لمن كفر بنعمة الله عليه بطغيانه وإن لم يذكر لدلالة الكلام عليه ﴿ إِنَّ الانسَـانَ لَيَطْغَى ﴾ [العلق : ٦] نزلت في أبي جهل إلى آخر السورة ﴿ أَن رَّءَاهُ ﴾ [العلق : ٧] أن رأى نفسه.
يقال في أفعال القلوب : رأيتني وعلمتني، ومعنى الرؤية العلم ولو كانت بمعنى الإبصار لامتنع في فعلها الجمع بين الضميرين ﴿ اسْتَغْنَى ﴾ هو المفعول الثاني ﴿ إِنَّ إِلَى رَبِّكَ الرُّجْعَى ﴾ [العلق : ٨] تهديد للإنسان من عاقبة الطغيان على طريق الالتفات.
والرجعى مصدر بمعنى الرجوع أي إن رجوعك إلى ربك فيجازيك على طغيانك ﴿ أَرَءَيْتَ الَّذِى يَنْهَى ﴾.
﴿ عَبْدًا إِذَا صَلَّى ﴾ [العلق : ١٠] أي أرأيت أبا جهل ينهى محمداً عن الصلاة ﴿ أَرَءَيْتَ إِن كَانَ عَلَى الْهُدَى ﴾ [العلق : ١١] أي إن كان ذلك الناهي على طريقة سديدة فيما ينهى عنه من عبادة الله ﴿ أَوْ أَمَرَ بِالتَّقْوَى ﴾ [العلق : ١٢] أو كان آمراً بالمعروف والتقوى فيما يأمر به من عبادة الأوثان كما يعتقد ﴿ أَرَءَيْتَ إِن كَذَّبَ وَتَوَلَّى ﴾ [العلق : ١٣] أرأيت إن كان ذلك الناهي مكذباً بالحق متولياً عنه كما نقول نحن ﴿ أَلَمْ يَعْلَم بِأَنَّ اللَّهَ يَرَى ﴾ [العلق : ١٤] ويطلع على أحواله من هداه وضلاله فيجازيه على حسب حاله، وهذا وعيد وقوله ﴿ الَّذِى يَنْهَى ﴾ [العلق : ٩] مع الجملة الشرطية مفعولا ﴿ أَرَءَيْتَ ﴾ وجواب الشرط محذوف تقديره : إن كان على الهدى أو أمر بالتقوى ألم يعلم بأن الله يرى؟ وإنما حذف لدلالة ذكره في جواب الشرط الثاني وهذا كقولك : إن أكرمتك أتكرمني؟ و ﴿ أَرَءَيْتَ ﴾ الثانية مكررة زائدة للتوكيد.
جزء : ٤ رقم الصفحة : ٥٤٠
﴿ كَلا ﴾ ردع لأبي جهل عن نهيه عن عبادة الله وأمره بعبادة
٥٤١
الأصنام.
ثم قال ﴿ لَـاـاِن لَّمْ يَنتَهِ ﴾ [العلق : ١٥] عما هو فيه ﴿ لَنَسْفَعَا بِالنَّاصِيَةِ ﴾ [العلق : ١٥] لنأخذن بناصيته ولنسحبنه بها إلى النار، والسفع : القبض على الشيء وجذبه بشدة، وكتبها في المصحف بالألف على حكم الوقف، واكتفى بلام العهد عن الإضافة للعلم بأنها ناصية المذكور ﴿ نَاصِيَةٍ ﴾ بدل من لأنها وصفت بالكذب والخطأ بقوله ﴿ كَـاذِبَةٍ خَاطِئَةٍ ﴾ [العلق : ١٦] عن الإسناد المجازي وهما لصاحبها حقيقة وفيه من الحسن والجزالة ما ليس في قولك " ناصية كذاب خاطىء " ﴿ فَلْيَدْعُ نَادِيَهُ * سَنَدْعُ الزَّبَانِيَةَ ﴾ النادي المجلس الذي يجتمع فيه القوم، والمراد أهل النادي.
روي أن أبا جهل مر بالنبي عليه السلام وهو يصلي فقال : ألم أنهك فأغلظ له رسول الله عليه السلام فقال : أتهددني وأنا أكثر أهل الوادي نادياً فنزل.
والزبانية لغة الشرط الواحد زبنية من الزبن وهو الدفع، والمراد ملائكة العذاب وعنه عليه السلام " لو دعا ناديه لأخذته الزبانية عياناً " ﴿ كَلا ﴾ ردع لأبي جهل ﴿ لا تُطِعْهُ ﴾ [العلق : ١٩] أي اثبت على ما أنت عليه من عصيانه كقوله ﴿ فَلا تُطِعِ الْمُكَذِّبِينَ ﴾ [القلم : ٨] (القلم : ٧) ﴿ وَاسْجُدْ ﴾ ودم على سجودك يريد الصلاة ﴿ وَاقْتَرِب ﴾ وتقرب إلى ربك بالسجود فإن أقرب ما يكون العبد إلى ربه إذا سجد كذا الحديث والله أعلم.
٥٤٢