جزء : ٤ رقم الصفحة : ٥٢
ولا يتعجبوا من الشرك وهو باطل لجلج.
وروي أن عمر رضي الله عنه لما أسلم فرح به المؤمنون وشق على قريش، فاجتمع خمسة وعشرون نفساً من صناديدهم ومشوا إلى أبي طالب وقالوا : أنت كبيرنا وقد علمت ما فعل هؤلاء السفهاء ـ يريدون الذين دخلوا في الإسلام ـ وجئناك لتقضي بيننا وبين ابن أخيك.
فاستحضر أبو طالب رسول الله صلى الله عليه وسلّم فقال : يا ابن أخي هؤلاء قومك يسألونك السواء فلا تمل كل الميل على قومك.
فقال عليه السلام : ماذا يسألونني؟ فقالوا : ارفضنا وارفض ذكر آلهتنا وندعك وإلهك فقال عليه السلام : أتعطوني كلمة واحدة تملكون بها العرب وتدين لكم بها العجم؟ قالوا : نعم وعشراً أي نعطيكها وعشر كلمات معها.
فقال : قولوا لا إله إلا الله.
فقاموا وقالوا ﴿ أَجَعَلَ الالِهَةَ إِلَـاهًا وَاحِدًا ﴾ [ص : ٥] أي أصيّر ﴿ إِنَّ هَـاذَا لَشَىْءٌ عُجَابٌ ﴾ [ص : ٥] أي بليغ في العجب.
وقيل : العجيب ما له مثل والعجاب ما لا مثل له.
﴿ وَانطَلَقَ الْمَلا مِنْهُمْ أَنِ امْشُوا ﴾ [ص : ٦]وانطلق أشراف قريش عن مجلس أبي طالب بعدما بكتهم رسول الله صلى الله عليه وسلّم بالجواب العتيد قائلين بعضهم لبعض ﴿ أَنِ امْشُوا ﴾ [ص : ٦] و " أن " بمعنى أي لأن المنطلقين عن مجلس التقاول لا بد لهم من أن يتكلموا ويتفاوضوا فيما جرى لهم فكان انطلاقهم متضمناً معنى القول ﴿ وَاصْبِرُوا عَلَى ﴾ [ص : ٦] عبادة ﴿ إِنَّ هَـاذَا لَشَىْءٌ ﴾ [ص : ٦] الأمر ﴿ لَشَىْءٌ يُرَادُ ﴾ [ص : ٦] أي يريده الله تعالى ويحكم بإمضائه فلا مرد له ولا ينفع فيه إلا الصبر، أو إن هذا الأمر لشيء من نوائب الدهر يراد بنا فلا انفكاك لنا منه ﴿ مَا سَمِعْنَا بِهَـاذَا ﴾ [المؤمنون : ٢٤] بالتوحيد ﴿ فِى الْمِلَّةِ الاخِرَةِ ﴾ في ملة عيسى التي هي آخر الملل لأن النصارى مثلثه غير موحدة، أو في ملة قريش التي أدركنا عليها آباءنا ﴿ إِنَّ هَـاذَآ ﴾ [ص : ٢٣] ما هذا ﴿ إِلا اخْتِلَـاقٌ ﴾ [ص : ٧] كذب اختلقه محمد من تلقاء نفسه ﴿ أَءُنزِلَ عَلَيْهِ الذِّكْرُ ﴾ [ص : ٨] القرآن ﴿ مِن بَيْنِنَا ﴾ [الأنعام : ٥٣] أنكروا أن يختص بالشرف من بين أشرافهم وينزل عليه الكتاب من بينهم حسداً
جزء : ٤ رقم الصفحة : ٥٢
﴿ بَلْ هُمْ فِى شَكٍّ مِّن ذِكْرِى ﴾ [ص : ٨] من القرآن ﴿ بَل لَّمَّا يَذُوقُوا عَذَابِ ﴾ [ص : ٨] بل لم يذوقوا عذابي بعد، فإذا ذاقوه زال عنهم ما بهم من الشك والحسد حينئذ أي أنهم لا يصدقون به إلا أن يمسهم العذاب فيصدقون حينئذ ﴿ أَمْ عِندَهُمْ خَزَآ ـاِنُ رَحْمَةِ رَبِّكَ الْعَزِيزِ الْوَهَّابِ ﴾ [ص : ٩] يعني ما هم بمالكي خزائن الرحمة حتى يصيبوا بها من شاءوا ويصرفوها عمن شاءوا، ويتخيروا للنبوة بعض صناديدهم، ويترفعوا بها عن محمد، وإنما الذي يملك الرحمة وخزائنها العزيز القاهر على خلقه الوهاب الكثير المواهب المصيب بها مواقعها، الذي يقسمها على ما تقتضيه حكمته.
ثم رشح هذا المعنى فقال ﴿ أَمْ لَهُم مٌّلْكُ السَّمَـاوَاتِ وَالارْضِ وَمَا بَيَنَهُمَا ﴾ [ص : ١٠] حتى يتكلموا في الأمور الربانية والتدابير الإلهية التي يختص بها رب العزة والكبرياء.
ثم تهكم بهم غاية التهكم فقال : فإن كانوا يصلحون لتدبير الخلائق والتصرف في قسمة الرحمة ﴿ فَلْيَرْتَقُوا فِى الاسْبَـابِ ﴾ فليصعدوا في المعارج والطرق التي يتوصل بها إلى السماء حتى يدبروا أمر العالم وملكوت الله وينزلوا الوحي إلى من يختارون.
٥٤
ثم وعد نبيه عليه السلام النصرة عليهم بقوله.
جزء : ٤ رقم الصفحة : ٥٢


الصفحة التالية
Icon