رضي الله عنهما : كان إذا سبح جاوبته الجبال بالتسبيح واجتمعت إليه الطير فسبحت فذلك حشرها ﴿ كُلٌّ لَّهُا أَوَّابٌ ﴾ [ص : ١٩] كل واحد من الجبال والطير لأجل داود أي لأجل تسبيحه مسبح لأنها كانت تسبح لتسبيحه.
ووضع الأواب موضع المسبح لأن الأواب وهو التواب الكثير الرجوع إلى الله وطلب مرضاته من عادته أن يكثر ذكر الله ويديم تسبيحه وتقديسه.
وقيل : الضمير لله أي كل من داود والجبال والطير لله أواب أي مسبح مرجّع للتسبيح ﴿ وَشَدَدْنَا مُلْكَهُ ﴾ [ص : ٢٠] قويناه.
قيل : كان يبيت حول محرابه ثلاثة وثلاثون ألف رجل يحرسونه.
جزء : ٤ رقم الصفحة : ٥٢
﴿ وَشَدَدْنَا مُلْكَهُ ﴾ [ص : ٢٠] الزبور وعلم الشرائع.
وقيل : كل كلام وافق الحق فهو حكمة ﴿ وَفَصْلَ الْخِطَابِ ﴾ [ص : ٢٠] علم القضاء وقطع الخصام والفصل بين الحق والباطل.
والفصل هو التمييز بين الشيئين.
وقيل : للكلام البين فصل بمعنى المفصول كضرب الأمير، وفصل الخطاب البين من الكلام الملخص الذي يتبينه من يخاطب به لا يلتبس عليه، وجاز أن يكون الفصل بمعنى الفاصل كالصوم والزور.
والمراد بفصل الخطاب الفاصل من الخطاب الذي يفصل بين الصحيح والفاسد والحق والباطل، وهو كلامه في القضايا والحكومات وتدابير الملك والمشورات.
وعن علي رضي الله عنه : هو الحكم بالبينة على المدعي واليمين على المدعي عليه، وهو من الفصل بين الحق والباطل.
وعن الشعبي : هو قوله " أما بعد " وهو أول من قال " أما بعد "، فإن من تكلم في الأمر الذي له شأن يفتتح بذكر الله وتحميده، فإذا أراد أن يخرج إلى الغرض المسوق له فصل بينه وبين ذكر الله بقوله " أما بعد ".
﴿ وَهَلْ أَتَـاـاكَ نَبَؤُا الْخَصْمِ ﴾ [ص : ٢١] ظاهره الاستفهام ومعناه الدلالة على أنه من الأنباء العجيبة.
والخصم الخصماء وهو يقع على الواحد والجمع لأنه مصدر في الأصل تقول خصمه خصماً.
وانتصاب ﴿ إِذْ ﴾ بمحذوف تقديره : وهل أتاك نبأ تحاكم الخصم أو بالخصم ملا فيه من معنى الفعل ﴿ تَسَوَّرُوا الْمِحْرَابَ ﴾ [ص : ٢١] تصعدوا سوره ونزلوا إليه، والسور الحائط المرتفع، والمحراب الغرفة أو المسجد أو صدر المسجد.
جزء : ٤ رقم الصفحة : ٥٢
﴿ إِذْ ﴾ بدل من الأولى ﴿ دَخَلُوا عَلَى دَاوُادَ فَفَزِعَ مِنْهُمْ ﴾ روي أن الله تعالى
٥٧
بعث إليه ملكين في صورة إنسانين، فطلبا أن يدخلا عليه فوجداه في يوم عبادته فمنعهما الحرس فتسوروا عليه المحراب فلم يشعر إلا وهما بين يديه جالسان، ففزع منهم لأنهم دخلوا عليه المحراب في غير يوم القضاء، ولأنهم نزلوا عليه من فوق وفي يوم الاحتجاب والحرس حوله لا يتركون من يدخل عليه ﴿ قَالُوا لا تَخَفْ خَصْمَانِ ﴾ [ص : ٢٢] خبر مبتدأ محذوف أي نحن خصمان ﴿ بَغَى بَعْضُنَا عَلَى بَعْضٍ ﴾ [ص : ٢٢] تعدى وظلم ﴿ فَاحْكُم بَيْنَنَا بِالْحَقِّ وَلا تُشْطِطْ ﴾ [ص : ٢٢] ولا تجر من الشطط وهو مجاوزة الحد وتخطى الحق ﴿ وَاهْدِنَآ إِلَى سَوَآءِ الصِّرَاطِ ﴾ [ص : ٢٢] وأرشدنا إلى وسط الطريق ومحجته والمراد عين الحق ومحضه.
روي أن أهل زمان داود عليه السلام كان يسأل بعضهم بعضاً أن ينزل له عن امرأته فيتزوجها إذا أعجبته، وكان لهم عادة في المواساة بذلك وكان الأنصار يواسون المهاجرين بمثل ذلك، فاتفق أن داود عليه السلام وقعت عينه على امرأة أوريا فأحبها فسأله النزول له عنها فاستحى أن يرده ففعل فتزوجها وهي أم سليمان.
فقيل له : إنك مع عظم منزلتك وكثرة نسائك لم يكن ينبغي لك أن تسأل رجلاً ليس له إلا امرأة واحدة النزول عنها لك بل كان الواجب عليك مغالبة هواك وقهر نفسك والصبر على ما امتحنت به.
وقيل : خطبها أوريا ثم خطبها داود فآثره أهلها فكانت زلته أن خطب على خطبة أخيه المؤمن مع كثرة نسائه.
وما يحكى أنه بعث مرة بعد مرة أوريا إلى غزوة البلقاء وأحب أن يقتل ليتزوجها فلا يليق من المتسمين بالصلاح من أفناء المسلمين فضلاً عن بعض أعلام الأنبياء.
وقال علي رضي الله عنه : من حدثكم بحديث داود عليه السلام ما يرويه القصاص جلدته مائة وستين وهو حد الفرية على الأنبياء.
جزء : ٤ رقم الصفحة : ٥٧


الصفحة التالية
Icon