وروي أنه حدث بذلك عمر بن عبد العزيز وعنده رجل من أهل الحق فكذب المحدث به وقال : إن كانت القصة على ما في كتاب الله فما ينبغي أن يلتمس خلافها وأعظم بأن يقال غير ذلك، وإن كانت على ما ذكرت وكف الله عنها ستراً على نبيه فما
٥٨
ينبغي إظهارها عليه.
فقال عمر : لسماعي هذا الكلام أحب إلي مما طلعت عليه الشمس.
والذي يدل عليه المثل الذي ضربه الله بقصته عليه السلام ليس إلا طلبه إلى زوج المرأة أن ينزل له عنها فحسب، وإنما جاءت على طريق التمثيل والتعريض دون التصريح لكونها أبلغ في التوبيخ من قبل أن التأمل إذا أداه إلى الشعور بالمعرض به كان أوقع في نفسه وأشد تمكناً من قلبه وأعظم أثراً فيه مع مراعاة حسن الأدب بترك المجاهرة.
﴿ إِنَّ هَـاذَآ أَخِى ﴾ [ص : ٢٣] هو بدل من ﴿ هَـاذَآ ﴾ أو خبر لـ ﴿ ءَانٍ ﴾، والمراد أخوة الدين أو إخوة الصداقة والألفة أو أخوة الشركة والخلطة لقوله ﴿ وَإِنَّ كَثِيرًا مِّنَ الْخُلَطَآءِ ﴾ [ص : ٢٤] ﴿ لَهُ تِسْعٌ وَتِسْعُونَ نَعْجَةً وَلِىَ نَعْجَةٌ وَاحِدَةٌ ﴾ [ص : ٢٣] ﴿ وَلِىَ ﴾ حفص.
والنعجة كناية عن المرأة.
ولما كان هذا تصويراً للمسئلة وفرضاً لها لا يمتنع أن يفرض الملائكة في أنفسهم كما تقول لي : أربعون شاة ولك أربعون فخلطناها وما لكما من الأربعين أربعة ولا ربعها ﴿ فَقَالَ ﴾ ملكنيها وحقيقته اجعلني أكفلها كما أكفل ما تحت يدي.
وعن ابن عباس رضي الله عنهما : اجعلها كفلي أن نصيبي ﴿ أَكْفِلْنِيهَا وَعَزَّنِى ﴾ [ص : ٢٣] وغلبني يقال عزه يعزه ﴿ فِى الْخِطَابِ ﴾ [ص : ٢٣] في الخصومة أي أنه كان أقدر على الاحتجاج مني.
وأراد بالخطاب مخاطبة المحاج المجادل، أو أراد خطبت المرأة وخطبها هو فخاطبني خطاباً أي غالبني في الخطبة فغلبني حيث زوجها دوني.
ووجه التمثيل أن مثلت قصة أوريا مع داود بقصة رجل له نعجة واحدة ولخليطه تسع وتسعون، فأراد صاحبه تتمة المائة فطمع في نعجة خليطة وأراده على الخروج من ملكها إليه وحاجّة في ذلك محاجة حريص على بلوغ مراده، وإنما كان ذلك على وجه التحاكم إليه ليحكم بما حكم به من قوله ﴿ قَالَ لَقَدْ ظَلَمَكَ بِسُؤَالِ نَعْجَتِكَ إِلَى نِعَاجِهِ ﴾ [ص : ٢٤] حتى يكون محجوباً بحكمه.
وهذا جواب قسم محذوف وفي ذلك استنكار لفعل خليطه والسؤال مصدر مضاف إلى المفعول وقد ضمن معنى الإضافة فعدى تعديتها كأنه قيل : بإضافة نعجتك إلى نعاجه على وجه السؤال والطلب.
وإن ظلّم الآخر بعدما اعترف به خصمه ولكنه
٥٩
لم يحك في القرآن لأنه معلوم.
جزء : ٤ رقم الصفحة : ٥٧