ويروى أنه قال : أنا أريد أن آخذها منه وأكمل نعاجي مائة فقال داود : إن رمت ذلك ضربنا منك هذا وهذا وأشار إلى طرف الأنف والجبهة.
فقال : يا داود أنت أحق أن يضرب منك هذا وهذا وأنت فعلت كيت وكيت.
ثم نظر داود فلم ير أحداً فعرف ما وقع فيه ﴿ وَإِنَّ كَثِيرًا مِّنَ الْخُلَطَآءِ ﴾ [ص : ٢٤] الشركاء والأصحاب ﴿ قَالَ لَقَدْ ظَلَمَكَ بِسُؤَالِ نَعْجَتِكَ إِلَى نِعَاجِهِ وَإِنَّ كَثِيرًا ﴾ [ص : ٢٤] المستنثى منصوب وهو من الجنس والمستثنى منه بعضهم ﴿ وَقَلِيلٌ مَّا هُمْ ﴾ [ص : ٢٤] ﴿ مَآ ﴾ للابهام و ﴿ هُمْ ﴾ مبتدأ و ﴿ قَلِيلٌ ﴾ خبره ﴿ وَظَنَّ دَاوُادُ ﴾ أي علم وأيقن وإنما استعير له لأن الظن الغالب يداني العلم ﴿ أَنَّمَا فَتَنَّـاهُ ﴾ [ص : ٢٤] ابتليناه ﴿ فَاسْتَغْفَرَ رَبَّهُ ﴾ [ص : ٢٤] لزلته ﴿ وَخَرَّ رَاكِعًا ﴾ [ص : ٢٤] أي سقط على وجهه ساجداً لله، وفيه دليل على أن الركوع يقوم مقام السجود في الصلاة إذا نوي لأن المراد مجرد ما يصلح تواضعاً عند هذه التلاوة والركوع في الصلاة يعمل هذا العمل بخلاف الركوع في غير الصلاة ﴿ وَأَنَابَ ﴾ ورجع إلى الله بالتوبة.
وقيل : إنه بقي ساجداً أربعين يوماً وليلة لا يرفع رأسه إلا لصلاة مكتوبة أو ما لا بد منه، ولا يرقأ دمعه حتى نبت العشب من دمعه ولم يشرب ماء إلا وثلثاه دمع ﴿ فَغَفَرْنَا لَهُ ذَالِكَ ﴾ [ص : ٢٥] أي زلته ﴿ وَإِنَّ لَهُ عِندَنَا لَزُلْفَى ﴾ [ص : ٢٥] لقربة ﴿ وَحُسْنَ مَـاَابٍ ﴾ [الرعد : ٢٩] مرجع وهو الجنة.
﴿ يادَاوُادُ إِنَّا جَعَلْنَـاكَ خَلِيفَةً فِى الارْضِ ﴾ أي استخلفناك على الملك في الأرض أو جعلناك خليفة ممن كان قبلك من الأنبياء القائمين بالحق، وفيه دليل على أن حاله بعد التوبة بقيت على ما كانت عليه لم تتغير ﴿ فَاحْكُم بَيْنَ النَّاسِ بِالْحَقِّ ﴾ [ص : ٢٦] أي بحكم الله إذ كنت خليفته أو بالعدل ﴿ وَلا تَتَّبِعِ الْهَوَى ﴾ [ص : ٢٦] أي هوى النفس في قضائك ﴿ فَيُضِلَّكَ ﴾ الهوى ﴿ عَن سَبِيلِ اللَّهِ إِنَّ الَّذِينَ يَضِلُّونَ عَن سَبِيلِ اللَّهِ ﴾ [ص : ٢٦] دينه ﴿ لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدُ بِمَا نَسُوا يَوْمَ الْحِسَابِ ﴾ [ص : ٢٦] أي بنسيانهم يوم الحساب.
٦٠
جزء : ٤ رقم الصفحة : ٥٧
﴿ وَمَا خَلَقْنَا السَّمَآءَ وَالارْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا ﴾ [الأنبياء : ١٦] من الخلق ﴿ بَـاطِلا ﴾ خلقاً باطلاً لا لحكمة بالغة، أو مبطلين عابثين كقوله ﴿ وَمَا خَلَقْنَا السَّمَآءَ وَالارْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا لَـاعِبِينَ ﴾ [الأنبياء : ١٦] (الأنبياء : ٦١) وتقديره ذوي باطل، أو عبثاً فوضع ﴿ بَـاطِلا ﴾ موضعه أي ما خلقناهما وما بينهما للعبث واللعب ولكن للحق المبين، وهو أنا خلقنا نفوساً أودعناها العقل ومنحناها التمكين وأزحنا عللها ثم عرضناها للمنافع العظيمة بالتكليف وأعددنا لها عاقبة وجزاءً على حسب أعمالهم.
﴿ ذَالِكَ ﴾ إشارة إلى خلقها باطلاً ﴿ ظَنُّ الَّذِينَ كَفَرُوا ﴾ [ص : ٢٧] الظن بمعنى المظنون أي خلقها للعبث لا للحكمة هو مظنون الذين كفروا، وإنما جعلوا ظانين أنه خلقها للعبث لا للحكمة مع إقرارهم بأنه خالق السماوات والأرض وما بينهما لقوله ﴿ وَلَـاـاِن سَأَلْتَهُم مَّنْ خَلَقَ السَّمَـاوَاتِ وَالارْضَ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ ﴾ [لقمان : ٢٥] (لقمان : ٥٢) لأنه لما كان إنكارهم للبعث والحساب والثواب والعقاب مؤدياً إلى أن خلقها عبث وباطل جعلوا كأنهم يظنون ذلك ويقولونه، لأن الجزاء هو الذي سبقت إليه الحكمة في خلق العالم، فمن جحده فقد جحد الحكمة في خلق العالم ﴿ كَالْفُجَّارِ ﴾ " أم " منقطعة، ومعنى الاستفهام فيها الإنكار، والمراد أنه لو بطل الجزاء كما يقول الكفار لاستوت أحوال من أصلح وأفسد واتقى وفجر، ومن سوّى بينهم كان سفيهاً ولم يكن حكيماً
جزء : ٤ رقم الصفحة : ٦١
﴿ كِتَـابٌ ﴾ أي هذا كتاب ﴿ أَنزَلْنَـاهُ إِلَيْكَ ﴾ [إبراهيم : ١] يعني القرآن ﴿ مُبَـارَكٌ ﴾ صفة أخرى ﴿ لِّيَدَّبَّرُوا ءَايَـاتِهِ ﴾ [ص : ٢٩] وأصله ليتدبروا قرىء به ومعناه ليتفكروا فيها فيقفوا على ما فيه ويعملوا به.
وعن الحسن : قد قرأ هذا القرآن عبيد وصبيان لا علم لهم بتأويله، حفظوا حروفه وضيعوا حدوده على الخطاب بحذف إحدى التاءين : يزيد ﴿ ءَايَـاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُوْلُوا الالْبَـابِ ﴾ وليتعظ بالقرآن أولو العقول.
٦١