سأل بهذه الصفة ليكون معجزة له لا حسداً وكان قبل ذلك لم يسخر له الريح والشياطين، فلما دعا بذلك سخرت له الريح والشياطين ولن يكون معجزة حتى يخرق العادات ﴿ إِنَّكَ أَنتَ الْوَهَّابُ * فَسَخَّرْنَا لَهُ الرِّيحَ ﴾ ﴿ الرِّيَـاحِ ﴾ أبو جعفر.
جزء : ٤ رقم الصفحة : ٦٣
﴿ تَجْرِى ﴾ حال من ﴿ الرِّيحَ ﴾ ﴿ بِأَمْرِهِ ﴾ بأمر سليمان ﴿ رُخَآءً ﴾ لينة طيبة لا تزعزع وهو حال من ضمير ﴿ تَجْرِى ﴾ ﴿ حَيْثُ ﴾ ظرف ﴿ تَجْرِى ﴾ ﴿ أَصَابَ ﴾ قصد وأراد.
والعرب تقول : أصاب الصواب فاخطأ الجواب ﴿ وَالشَّيَـاطِينَ ﴾ عطف على ﴿ الرِّيحَ ﴾ أي سخرنا له الشياطين ﴿ كُلَّ بَنَّآءٍ ﴾ [ص : ٣٧] بدل من ﴿ الشَّيَـاطِينِ ﴾ كانوا يبنون له ما شاء من الأبنية ﴿ وَغَوَّاصٍ ﴾ أي ويغوصون له في البحر لإخراج اللؤلؤ، وهو أول من استخرج اللؤلؤ من البحر.
والمعنى وسخرنا له كل بناء وغواص من الشياطين ﴿ وَءَاخَرِينَ ﴾ عطف على ﴿ كُلَّ بَنَّآءٍ ﴾ [ص : ٣٧] داخل في حكم البدل ﴿ مُقَرَّنِينَ فِى الاصْفَادِ ﴾ [إبراهيم : ٤٩] وكان يقرن مردة الشياطين بعضهم مع بعض في القيود والسلاسل للتأديب والكف عن الفساد.
والصفد : القيد وسمي به العطاء لأنه ارتباط للمنعم عليه، ومنه قول علي رضي الله عنه : من برك فقد أسرك ومن جفاك فقد أطلقك ﴿ هَـاذَآ ﴾ الذي أعطيناك من الملك والمال والبسطة ﴿ عَطَآؤُنَا فَامْنُنْ ﴾ [ص : ٣٩] فأعط منه ما شئت من المنة وهي العطاء ﴿ أَوْ أَمْسِكْ ﴾ [ص : ٣٩] عن العطاء، وكان إذا أعطى أجر وإن منع لم يأتم بخلاف غيره ﴿ بِغَيْرِ حِسَابٍ ﴾ [البقرة : ٢١٢] متعلق بـ ﴿ عَطَآؤُنَا ﴾ وقيل : هو حال أي هذا عطاؤنا جماً كثيراً لا يكاد يقدر على حصره، أو هذه التسخير عطاؤنا فامنن على من شئت من الشياطين بالإطلاق أو أمسك من شئت منهم في الوثاق بغير حساب أي لا حساب عليك في ذلك
٦٤
﴿ وَإِنَّ لَهُ عِندَنَا لَزُلْفَى وَحُسْنَ مَـاَابٍ ﴾ [ص : ٤٠] ﴿ لَزُلْفَى ﴾ اسم " إن " والخبر ﴿ لَهُ ﴾ والعامل في ﴿ عِندَ ﴾ الخبر.
جزء : ٤ رقم الصفحة : ٦٣
﴿ وَاذْكُرْ عَبْدَنَآ أَيُّوبَ ﴾ [ص : ٤١] هو بدل من ﴿ عَبْدَنَآ ﴾ أو عطف بيان ﴿ إِذْ ﴾ بدل اشتمال منه ﴿ نَادَى رَبَّهُ ﴾ [ص : ٤١] دعاه ﴿ أَنِّى مَسَّنِىَ ﴾ بأني مسني حكاية لكلامة الذي ناداه بسببه ولو لم يحك لقال بأنه مسه لأنه غائب ﴿ الشَّيْطَـانُ بِنُصْبٍ ﴾ [ص : ٤١] قراءة العامة ﴿ بِنُصْبٍ ﴾، يزيد تثقيل نصب ﴿ بِنُصْبٍ ﴾ كرشد ورشد، يعقوب ﴿ بِنُصْبٍ ﴾ على أصل المصدر هبيرة ـ والمعنى واحد وهو التعب والمشقة ﴿ وَعَذَابٍ ﴾ يريد مرضه وما كان يقاسي فيه من أنواع الوصب.
وقيل : أراد ما كان يوسوس به إليه في مرضه من تعظيم ما نزل به من البلاء ويغريه على الكراهة والجزع، فالتجأ إلى الله في أن يكفيه ذلك بكشف البلاء أو بالتوفيق في دفعه ورده بالصبر الجميل.
وروي أنه كان يعوده ثلاثة من المؤمنين فارتد أحدهم فسأل عنه فقيل : ألقى إليه الشيطان أن الله لا يبتلي الأنبياء والصالحين.
وذكر في سبب بلائه أنه ذبح شاة فأكلها وجاره جائع، أو رأى منكراً فسكت عنه، أو ابتلاه الله لرفع الدرجات بلا زلة سبقت منه ﴿ ارْكُضْ بِرِجْلِكَ ﴾ [ص : ٤٢] حكاية ما أجيب به أيوب عليه السلام أي أرسلنا إليه جبريل عليه السلام فقال له : اركض برجلك أي اضرب برجلك الأرض وهي أرض الجابية فضربها فنبعت عين فقيل :﴿ هَـاذَا مُغْتَسَلُ بَارِدٌ وَشَرَابٌ ﴾ [ص : ٤٢] أي هذا ماء تغتسل به وتشرب منه فيبرأ باطنك وظاهرك.
وقيل : نبعت له عينان فاغتسل من إحداهما وشرب من الأخرى فذهب الداء من ظاهره وباطنه بإذن الله تعالى.
جزء : ٤ رقم الصفحة : ٦٣
﴿ وَوَهَبْنَا لَهُا أَهْلَهُ وَمِثْلَهُم مَّعَهُمْ ﴾ [ص : ٤٣] قيل : أحياهم الله تعالى بأعيانهم وزاده مثلهم ﴿ رَحْمَةً مِّنَّا وَذِكْرَى لاوْلِى الالْبَـابِ ﴾ [ص : ٤٣] مفعول لهما أي الهبة كانت للرحمة له ولتذكير أولى الألباب، لأنهم إذا سمعوا بما أنعمنا به عليه لصبره رغبهم في الصبر على البلاء
٦٥


الصفحة التالية
Icon