﴿ وَخُذْ ﴾ معطوف على ﴿ ارْكُضْ ﴾ ﴿ بِيَدِكَ ضِغْثًا ﴾ [ص : ٤٤] حزمة صغيرة من حشيش أو ريحان أو غير ذلك.
وعن ابن عباس رضي الله عنهما : قبضة من الشجر ﴿ فَاضْرِب بِّهِ وَلا تَحْنَثْ ﴾ [ص : ٤٤] وكان حلف في مرضه ليضربن امرأته مائة إذا برأ، فحلل الله يمينه بأهون شيء عليه وعليها لحسن خدمتها إياه، وهذه الرخصة باقية ويجب أن يصيب المضروب كل واحدة من المائة.
والسبب في يمينه أنها أبطأت عليه ذاهبة في حاجة فحرج صدره.
وقيل : باعت ذؤابتيها برغيفين وكانتا متعلق أيوب عليه السلام إذا قام ﴿ إِنَّا وَجَدْنَـاهُ ﴾ [ص : ٤٤] علمناه ﴿ صَابِرًا ﴾ على البلاء نعم قد شكا إلى الله ما به واسترحمه لكن الشكوى إلى الله لا تسمى جزعاً فقد قال يعقوب عليه السلام ﴿ إِنَّمَآ أَشْكُوا بَثِّى وَحُزْنِى إِلَى اللَّهِ ﴾ [يوسف : ٨٦] (يوسف : ٦٨) على أنه عليه السلام كان يطلب الشفاء خيفة على قومه من الفتنة حيث كان الشيطان يوسوس إليهم أنه لو كان نبياً لما ابتلي بمثل ما ابتلي به وإرادة القوة على الطاعة فقد بلغ أمره إلى أن لم يبق منه إلا القلب واللسان ﴿ نِعْمَ الْعَبْدُ ﴾ [ص : ٣٠] أيوب ﴿ إِنَّهُا أَوَّابٌ ﴾ [ص : ١٧].
جزء : ٤ رقم الصفحة : ٦٣
﴿ وَاذْكُرْ عِبَـادَنَآ ﴾ [ص : ٤٥] ﴿ عَبْدَنَآ ﴾ مكي.
﴿ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْحَـاقَ وَيَعْقُوبَ ﴾ فمن جمع فـ ﴿ إِبْرَاهِيمَ ﴾ ومن بعده عطف بيان على ﴿ عِبَـادَنَآ ﴾ ومن وحد فـ ﴿ إِبْرَاهِيمَ ﴾ وحده عطف بيان له، ثم عطف ذريته على ﴿ عَبْدَنَآ ﴾ ولما كانت أكثر الأعمال تباشر بالأيدي غلبت فقيل في كل عمل هذا مما عملت أيديهم وإن كان عملاً لا تتأتى فيه المباشرة بالأيدي، أو كان العمال جذمن لا أيدي لهم وعلى هذا ورد قوله
جزء : ٤ رقم الصفحة : ٦٦
﴿ أُوْلِى الايْدِى وَالابْصَـارِ ﴾ [ص : ٤٥] أي أولي الأعمال الظاهرة والفكر الباطنة كأن الذين لا يعملون أعمال الآخرة ولا يجاهدون في الله ولا يتفكرون أفكار ذوي الديانات في حكم الزمنى الذين لا يقدرون على إعمال جوارحهم والمسلوبي العقول الذين لا استبصار لهم، وفيه تعريض بكل من لم يكن من عمال الله ولا من المستبصرين في دين الله وتوبيخ على تركهم المجاهدة والتأمل مع كونهم متمكنين منهما ﴿ إِنَّآ أَخْلَصْنَـاهُم ﴾ [ص : ٤٦] جعلناهم لنا خالصين ﴿ بِخَالِصَةٍ ﴾ بخصلة خالصة لا شوب
٦٦
فيها.
﴿ ذِكْرَى الدَّارِ ﴾ [ص : ٤٦] ﴿ ذِكْرَى ﴾ في محل النصب أو الرفع بإضمار " أعني "، أو " هي "، أو الجر على البدل من بـ ﴿ خَالِصَةٌ ﴾ والمعنى إنا أخلصناهم بذكرى الدار، والدار هنا : الدار الآخرة يعني جعلناهم لنا خالصين بأن جعلناهم يذكرون الناس الدار الآخرة ويزهدونهم في الدنيا كما هو ديدن الأنبياء عليهم السلام، أو معناه أنهم يكثرون ذكر الآخرة والرجوع إلى الله وينسون ذكر الدنيا بخالصة ذكرى الدار، على الإضافة مدني ونافع وهي من إضافة الشيء إلى ما يبينه، لأن الخالصة تكون ذكرى وغير ذكرى.
و ﴿ ذِكْرَى ﴾ مصدر مضاف إلى المفعول أي بإخلاصهم ذكرى الدار.
وقيل : خالصة بمعنى خلوص فهي مضافة إلى الفاعل أي بأن خلصت لهم ذكرى الدار على أنهم لا يشوبون ذكرى الدار بهمٍ آخر، إنما همهم ذكرى الدار لا غير.
وقيل : ذكرى الدار الثناء الجميل في الدنيا، وهذا شيء قد أخلصهم به فليس يذكر غيرهم في الدنيا بمثل ما يذكرون به يقويه قوله ﴿ وَجَعَلْنَا لَهُمْ لِسَانَ صِدْقٍ عَلِيًّا ﴾ [مريم : ٥٠] (مريم : ٠٥) ﴿ وَإِنَّهُمْ عِندَنَا لَمِنَ الْمُصْطَفَيْنَ ﴾ [ص : ٤٧] المختارين من بين أبناء جنسهم ﴿ الاخْيَارِ ﴾ جمع خير أو خير على التخفيف كأموات في جمع ميت أو ميت.
جزء : ٤ رقم الصفحة : ٦٦