ثم بين أنه غني عنهم بقوله ﴿ إِن تَكْفُرُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَنِىٌّ عَنكُمْ ﴾ [الزمر : ٧] عن إيمانكم وأنتم محتاجون إليه لتضرركم بالكفر وانتفاعكم بالإيمان ﴿ وَلا يَرْضَى لِعِبَادِهِ الْكُفْرَ ﴾ [الزمر : ٧] لأن الكفر ليس برضا الله تعالى وإن كان بإرادته ﴿ وَإِن تَشْكُرُوا ﴾ [الزمر : ٧] فتؤمنوا ﴿ يَرْضَهُ لَكُمْ ﴾ [الزمر : ٧] أي يرض الشكر
٧٧
لكم لأنه سبب فوزكم فيثيبكم عليه الجنة ﴿ يَرْضَهُ ﴾ بضم الهاء والإشباع : مكي وعلي :﴿ يَرْضَهُ ﴾ بضم الهاء بدون الإشباع : نافع وهشام وعاصم غير يحيى وحماد.
وغيرهمم ﴿ يَرْضَهُ ﴾ ﴿ وَلا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى ﴾ [الأنعام : ١٦٤] أي لا يؤاخذ أحد بذنب آخر ﴿ ثُمَّ إِلَى رَبِّكُم مَّرْجِعُكُمْ ﴾ [الأنعام : ١٦٤] إلى جزاء ربكم رجوعكم ﴿ فَيُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ ﴾ [المائدة : ١٠٥] فيخبركم بأعمالكم ويجازيكم عليها ﴿ إِنَّهُ عَلِيمُ بِذَاتِ الصُّدُورِ ﴾ [الانفال : ٤٣] بخفيات القلوب ﴿ وَإِذَا مَسَّ الانسَـانَ ﴾ [الزمر : ٨] هو أبو جهل أو كل كافر ﴿ ضُرٌّ ﴾ بلاء وشدة والمس في الأعراض مجاز ﴿ دَعَا رَبَّهُ مُنِيبًا إِلَيْهِ ﴾ [الزمر : ٨] راجعاً إلى الله بالدعاء لا يدعو غيره ﴿ ثُمَّ إِذَا خَوَّلَهُ ﴾ [الزمر : ٨] أعطاه ﴿ نِعْمَةً مِّنْهُ ﴾ [الزمر : ٨] من الله عز وجل ﴿ نَسِىَ مَا كَانَ يَدْعُوا إِلَيْهِ مِن قَبْلُ ﴾ [الزمر : ٨] أي نسى ربه الذي كان يتضرع إليه.
و " ما " بمعنى " من " كقوله ﴿ وَمَا خَلَقَ الذَّكَرَ وَالانثَى ﴾ [الليل : ٣] (الليل : ٣) أو نسي الضر الذي كان يدعو الله إلى كشفه ﴿ وَجَعَلَ لِلَّهِ أَندَادًا ﴾ [الزمر : ٨] أمثالاً ﴿ لِّيُضِلَّ ﴾ ﴿ لِّيُضِلَّ ﴾ مكي وأبو عمرو ويعقوب ﴿ عَن سَبِيلِهِ ﴾ [التوبة : ٩] أي الإسلام ﴿ قُلْ ﴾ يا محمد ﴿ تَمَتَّعْ ﴾ أمر تهديد ﴿ بِكُفْرِكَ قَلِيلا ﴾ [الزمر : ٨] أي في الدنيا ﴿ إِنَّكَ مِنْ أَصْحَـابِ النَّارِ ﴾ [الزمر : ٨] من أهلها.
جزء : ٤ رقم الصفحة : ٧٥
﴿ مِن ﴾ قرأ بالتخفيف مكي ونافع وحمزة على إدخال همزة الاستفهام على " من "، وبالتشديد غيرهم على إدخال " أم " عليه و " من " مبتدأ خبره محذوف تقديره " أمن " ﴿ هُوَ قَـانِتٌ ﴾ [الزمر : ٩] كغيره أي أمن هو مطيع كمن هو عاص والقانت المطيع لله وإنما حذف لدلالة الكلام عليه وهو جرى ذكر الكافر قبله، وقوله بعده ﴿ قُلْ هَلْ يَسْتَوِى الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ ﴾ [الزمر : ٩] ﴿ أَمَّنْ هُوَ ﴾ [الزمر : ٩] ساعاته ﴿ سَاجِدًا وَقَآ ـاِمًا ﴾ [الزمر : ٩] حالان من الضمير في ﴿ قَـانِتٌ ﴾ ﴿ يَحْذَرُ الاخِرَةَ ﴾ [الزمر : ٩] أي عذاب الآخرة ﴿ وَيَرْجُوا رَحْمَةَ رَبِّهِ ﴾ [الزمر : ٩] أي الجنة، ودلت الآية على أن المؤمن يجب أن يكون بين الخوف والرجاء، يرجو رحمته لا عمله ويحذر عقابه لتقصيره في عمله.
ثم الرجاء إذا جاوز حده يكون أمناً، والخوف إذا جاوز حده يكون إياساً، وقد قال الله تعالى
٧٨
﴿ فَلا يَأْمَنُ مَكْرَ اللَّهِ إِلا الْقَوْمُ الْخَـاسِرُونَ ﴾ [الأعراف : ٩٩] (الأعراف : ٩٩) وقال ﴿ يَـابَنِىَّ اذْهَبُوا فَتَحَسَّسُوا مِن يُوسُفَ وَأَخِيهِ وَلا تَا يـاَسُواْ مِن ﴾ [يوسف : ٨٧] (يوسف : ٧٨)، فيجب أن لا يجاوز أحدهما حده ﴿ قُلْ هَلْ يَسْتَوِى الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ ﴾ [الزمر : ٩] أي يعلمون ويعملون به كأنه جعل من لا يعمل غير عالم، وفيه ازدراء عظيم بالذين يقتنون العلوم ثم لا يقنتون ويفتنّون فيها ثم يفتنون بالدنيا فهم عند الله جهلة حيث جعل القانتين هم العلماء، أو أريد به التشبيه أي كما لا يستوي العالم والجاهل كذلك لا يستوي المطيع والعاصي ﴿ إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُوْلُوا الالْبَـابِ ﴾ [الرعد : ١٩] جمع لب أي إنما يتعظ بوعظ الله أولو العقول.
جزء : ٤ رقم الصفحة : ٧٥