﴿ أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ أَنزَلَ مِنَ السَّمَآءِ مَآءً ﴾ [الحج : ٦٣] يعني المطر.
وقيل : كل ماء في الأرض فهو من السماء ينزل منها إلى الصخرة ثم يقسمه الله ﴿ فَسَلَكَهُ ﴾ فادخله ﴿ يَنَـابِيعَ فِى الارْضِ ﴾ [الزمر : ٢١] عيوناً ومسالك ومجاري كالعروق في الأجساد.
و ﴿ يَنَـابِيعَ ﴾ نصب على الحال أو على الظرف و ﴿ فِى الارْضِ ﴾ [السجدة : ١٠] صفة لـ ﴿ يَنَـابِيعَ ﴾.
﴿ ثُمَّ يُخْرِجُ بِهِ ﴾ [الزمر : ٢١] بالماء ﴿ زَرْعًا مُّخْتَلِفًا أَلْوَانُهُ ﴾ [الزمر : ٢١] هيئاته من خضرة وحمرة وصفرة وبياض أو أصنافه من بن وشعير وسمسم وغير ذلك ﴿ ثُمَّ يَهِيجُ ﴾ [الزمر : ٢١] يجف ﴿ فَتَرَاـاهُ مُصْفَرًّا ﴾ [الزمر : ٢١] بعد نضارته وحسنه ﴿ ثُمَّ يَجْعَلُهُ حُطَـامًا ﴾ [الزمر : ٢١] فتاتاً متكسراً، فالحطام ما تفتت وتكسر من النبت وغيره ﴿ إِنَّ فِى ذَالِكَ ﴾ [السجدة : ٢٦] في إنزال الماء وإخراج الزرع ﴿ لَذِكْرَى لاوْلِى الالْبَـابِ ﴾ [الزمر : ٢١] لتذكيراً وتنبيهاً على أنه لا بد من صانع حكيم، وأن ذلك كائن عن تقدير وتدبير لا عن إهمال وتعطيل ﴿ أَفَمَن شَرَحَ اللَّهُ صَدْرَهُ ﴾ [الزمر : ٢٢] أي وسع صدره ﴿ لِلاسْلَـامِ ﴾ فاهتدى، وسئل رسول الله صلى الله عليه وسلّم عن الشرح فقال : إذا دخل النور القلب انشرح وانفسح فقيل : فهل لذلك من علامة؟ قال نعم الإنابة إلى دار الخلود والتجافي عن دار الغرور والاستعداد للموت قبل نزول الموت ﴿ فَهُوَ عَلَى نُورٍ مِّن رَّبِّهِ ﴾ [الزمر : ٢٢] بيان وبصيرة، والمعنى : أفمن شرح الله صدره فاهتدى كمن طبع على قلبه فقسا قلبه؟ فحذف لأن قوله ﴿ فَوَيْلٌ لِّلْقَـاسِيَةِ قُلُوبُهُم ﴾ [الزمر : ٢٢] يدل عليه ﴿ مِّن ذِكْرِ اللَّهِ ﴾ [الزمر : ٢٢] أي من ترك ذكر الله أو من أجل ذكر الله أي إذا ذكر الله عندهم أو آياته ازدادت قلوبهم قساوة كقوله ﴿ فَزَادَتْهُمْ رِجْسًا إِلَى رِجْسِهِمْ ﴾ [
جزء : ٤ رقم الصفحة : ٨١
التوبة : ١٢٥] (التوبة : ٥٢١) ﴿ أؤلئك فِى ضَلَـالٍ مُّبِينٍ ﴾ [الزمر : ٢٢] غواية ظاهرة.
٨٢
﴿ اللَّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ ﴾ [الزمر : ٢٣] في إيقاع اسم ﴿ اللَّهَ ﴾ مبتدأ وبناء ﴿ نَزَّلَ ﴾ عليه تفخيم لأحسن الحديث ﴿ كِتَـابًا ﴾ بدل من ﴿ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ ﴾ [الزمر : ٢٣] أو حال منه ﴿ مُّتَشَـابِهًا ﴾ يشبه بعضه بعضاً في الصدق والبيان والوعظ والحكمة والإعجاز وغير ذلك نعت ﴿ أَحْصَيْنَـاهُ كِتَـابًا ﴾ [النبأ : ٢٩] جمع مثنى بمعنى مردد ومكرر لما ثنى من قصصه وأنبائه وأحكامه وأوامره ونواهيه ووعده ووعيده ومواعظه، فهو بيان لكونه متشابهاً لأن القصص المكررة وغيرها لا تكون إلا متشابهة.
وقيل : لأنه يثنّى في التلاوة فلا يمل.
وإنما جاز وصف الواحد بالجمع لأن الكتاب جملة ذات تفاصيل، وتفاصيل الشيء هي جملته، ألا تراك تقول : القرآن أسباع وأخماس وسور وآيات؟ فكذلك تقول : أقاصيص وأحكام ومواعظ مكررات.
أو منصوب على التمييز من ﴿ مُّتَشَـابِهًا ﴾ كما تقول : رأيت رجلاً حسناً شمائل، والمعنى متشابهة مثانية ﴿ تَقْشَعِرُّ ﴾ تضطرب وتتحرك ﴿ مِنْهُ جُلُودُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ ﴾ [الزمر : ٢٣] يقال : اقشعر الجلد إذا تقبض تقبضاً شديداً.
والمعنى أنهم إذا سمعوا بالقرآن وبآيات وعيده أصابتهم خشية تقشعر منها جلودهم، وفي الحديث " إذا اقشعر جلد المؤمن من خشية الله تحاتّت عنه ذنوبه كما يتحات عن الشجرة اليابسة ورقها " ﴿ ثُمَّ تَلِينُ جُلُودُهُمْ وَقُلُوبُهُمْ إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ ﴾ [الزمر : ٢٣] أي إذا ذكرت آيات الرحمة لانت جلودهم وقلوبهم وزال عنها ما كان بها من الخشية والقشعريرة.
وعدي بـ " إلى " لتضمنه معنى فعل متعد بـ " إلى " كأنه قيل : اطمأنت إلى ذكر الله لينة غير متقبضة.
واقتصر على ذكر الله من غير ذكر الرحمة، لأن رحمته سبقت غضبه فلأصالة رحمته إذا ذكر الله لم يخطر بالبال إلا كونه رءوفاً رحيماً.
وذكرت الجلود وحدها أولاً ثم قرنت بها القلوب ثانياً لأن محل الخشية القلب فكان ذكرها يتضمن ذكر القلوب ﴿ ذَالِكَ ﴾
جزء : ٤ رقم الصفحة : ٨١