إشارة إلى الكتاب وهو ﴿ هُدَى اللَّهِ يَهْدِى بِهِ مَن يَشَآءُ ﴾ [الأنعام : ٨٨] من عباده وهو من علم منهم اختيار الاهتداء ﴿ وَمَن يُضْلِلِ اللَّهُ ﴾ [النساء : ٨٨] يخلق الضلالة فيه ﴿ فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ ﴾ [الرعد : ٣٣] إلى الحق.
٨٣
﴿ أَفَمَن يَتَّقِى بِوَجْهِهِ سُواءَ الْعَذَابِ يَوْمَ الْقِيَـامَةِ ﴾ [الزمر : ٢٤] كمن أمن من العذاب فحذف الخبر كما حذف في نظائره وسوء العذاب شدته، ومعناه أن الإنسان إذا لقي مخوفاً من المخاوف استقبله بيده وطلب أن يقي بها وجهه لأنه أعز أعضائه عليه، والذي يلقى في النار يلقى مغلولة يداه إلى عنقه فلا يتهيأ له أن يتقي النار إلا بوجهه الذي كان يتقي المخاوف بغيره وقاية له ومحاماة عليه ﴿ وَقِيلَ لِلظَّـالِمِينَ ﴾ [الزمر : ٢٤] أي تقول لهم خزنة النار ﴿ ذُوقُوا ﴾ وبال ﴿ مَا كُنتُمْ تَكْسِبُونَ ﴾ [الزمر : ٢٤] أي كسبكم ﴿ كَذَّبَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ ﴾ [فاطر : ٢٥] من قبل قريش ﴿ فَأَتَـاـاهُمُ الْعَذَابُ مِنْ حَيْثُ لا يَشْعُرُونَ ﴾ [الزمر : ٢٥] من الجهة التي لا يحتسبون ولا يخطر ببالهم أن الشر يأتيهم منها بيناهم آمنون إذ فوجئوا من مأمنهم ﴿ فَأَذَاقَهُمُ اللَّهُ الْخِزْىَ ﴾ [الزمر : ٢٦] الذل والصغار كالمسخ والخسف والقتل والجلاء ونحو ذلك من عذاب الله ﴿ فَأَذَاقَهُمُ اللَّهُ الْخِزْىَ فِى الْحَيَواةِ الدُّنْيَا ﴾ [الزمر : ٢٦] من عذاب الدنيا ﴿ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ ﴾ [البقرة : ١٠٢] لآمنوا.
﴿ وَلَقَدْ ضَرَبْنَا لِلنَّاسِ فِى هَـاذَا الْقُرْءَانِ مِن كُلِّ مَثَلٍ لَّعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ ﴾ [الزمر : ٢٧] ليتعظوا ﴿ قُرْءَانًا عَرَبِيًّا ﴾ [الزمر : ٢٨] حال مؤكدة كما تقول : جاءني زيد رجلاً صالحاً وإنساناً عاقلاً، فتذكر رجلاً أو إنساناً توكيداً، أو نصب على المدح ﴿ غَيْرَ ذِى عِوَجٍ ﴾ [الزمر : ٢٨] مستقيماً بريئاً من التناقض والاختلاف.
ولم يقل " مستقيماً " للإشعار بأن لا يكون فيه عوج قط.
وقيل : المراد بالعوج الشك ﴿ لَّعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ ﴾ [البقرة : ١٨٧] الكفر.
جزء : ٤ رقم الصفحة : ٨١
﴿ ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلا رَّجُلا ﴾ [الزمر : ٢٩] بدل ﴿ فِيهِ شُرَكَآءُ مُتَشَـاكِسُونَ ﴾ [الزمر : ٢٩] متنازعون ومختلفون ﴿ وَرَجُلا سَلَمًا ﴾ [الزمر : ٢٩] مصدر سلم والمعنى ذا سلامة ﴿ لِّرَجُلٍ ﴾ أي ذا خلوص له من الشركة.
٨٤
سالماً مكي وأبو عمرو أي خالصاً له ﴿ وَالسَّمِيعِ هَلْ يَسْتَوِيَانِ مَثَلا ﴾ [هود : ٢٤] صفة وهو تمييز، والمعنى هل تستوي صفتاهما وحالاهما.
وإنما اقتصر في التمييز على الواحد لبيان الجنس وقريء.
﴿ وَقَالُوا الْحَمْدُ لِلَّهِ ﴾ [فاطر : ٣٤] الذي لا إله إلا هو ﴿ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لا يَعْلَمُونَ ﴾ [النحل : ٧٥] فيشركون به غيره.
مثل الكافر ومعبوديه بعبد اشترك فيه شركاء بينهم تنازع واختلاف، وكل واحد منهم يدعي أنه عبده فهم يتجاذبونه ويتعاورونه في مهن شتى وهو متحير لا يدري أيهم يرضي بخدمته، وعلى أيهم يعتمد في حاجاته، وممن يطلب رزقه، وممن يلتمس رفقه، فهمه شعاع وقلبه أوزاع، والمؤمن بعبد له سيد واحد فهّمه واحد وقلبه مجتمع ﴿ إِنَّكَ مَيِّتٌ ﴾ [الزمر : ٣٠] أي ستموت ﴿ وَإِنَّهُم مَّيِّتُونَ ﴾ [الزمر : ٣٠] وبالتخفيف من حل به الموت، قال الخليل أنشد أبو عمرو :
وتسألني تفسير ميت وميّت
فدونك قد فسرت إن كنت تعقل
فمن كان ذا روح فذلك ميت
وما الميت إلا من إلى القبر يحمل
كانوا يتربصون برسول الله صلى الله عليه وسلّم موته فأخبر أن الموت يعمهم فلا معنى للتربص وشماتة الفاني بالفاني، وعن قتادة : نعى إلى نبيه نفسه ونعى إليكم أنفسكم أي إنك وإياهم في عداد الموتى لأن ما هو كائن فكأن قد كان.
جزء : ٤ رقم الصفحة : ٨١


الصفحة التالية
Icon