﴿ ثُمَّ إِنَّكُمْ ﴾ [الواقعة : ٥١] أي إنك وإياهم فغلب ضمير المخاطب على ضمير الغيب ﴿ يَوْمَ الْقِيَـامَةِ عِندَ رَبِّكُمْ تَخْتَصِمُونَ ﴾ [الزمر : ٣١] فتحتج أنت عليهم بأنك بلغت فكذبوا واجتهدت في الدعوة، فلجّوا في العناد ويعتذرون بما لا طائل تحته، تقول الأتباع : أطعنا ساداتنا وكبراءنا، وتقول السادات : أغوتنا الشياطين وآباؤنا الأقدمون.
قال الصحابة رضى الله عنهم أجمعين : ما خصومتنا ونحن إخوان فلما قتل عثمان رضي الله عنه قالوا : هذه خصومتنا.
عن أبي العالية : نزلت في أهل القبلة وذلك في الدماء والمظالم التي بينهم.
والوجه هو الأوّل ألا ترى إلى قوله
جزء : ٤ رقم الصفحة : ٨٥
﴿ فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّن كَذَبَ عَلَى اللَّهِ ﴾ [الزمر : ٣٢] وقوله
٨٥
﴿ وَالَّذِى جَآءَ بِالصِّدْقِ وَصَدَّقَ بِهِ ﴾ [الزمر : ٣٣] وما هو إلا بيان وتفسير للذين تكون بينهم الخصومة.
﴿ كَذَبَ عَلَى اللَّهِ ﴾ [الزمر : ٣٢] افترى عليه بإضافة الولد والشريك إليه ﴿ وَكَذَّبَ بِالصِّدْقِ ﴾ [الزمر : ٣٢] بالأمر الذي هو الصدق بعينه وهو ما جاء به محمد صلى الله عليه وسلّم ﴿ إِذْ جَآءَهُا ﴾ [الزمر : ٣٢] فاجأه بالتكذيب لما سمع به من غير وقفة لإعمال روية أو اهتمام بتمييز بين حق وباطل كما يفعل أهل النصفة فيما يسمعون ﴿ أَلَيْسَ فِى جَهَنَّمَ مَثْوًى لِّلْكَـافِرِينَ ﴾ [العنكبوت : ٦٨] أي لهؤلاء الذين كذبوا على الله وكذبوا بالصدق.
واللام في ﴿ لِّلْكَـافِرِينَ ﴾ إشارة إليهم ﴿ وَالَّذِى جَآءَ بِالصِّدْقِ وَصَدَّقَ بِهِ ﴾ [الزمر : ٣٣] هو رسول الله صلى الله عليه وسلّم جاء بالحق وآمن به وأراد به إياه ومن تبعه كما أراد بموسى إياه وقومه في قوله ﴿ وَلَقَدْ ءَاتَيْنَا مُوسَى الْكِتَـابَ لَعَلَّهُمْ يَهْتَدُونَ ﴾ [المؤمنون : ٤٩] (المؤمنون : ٩٤) فلذا قال تعالى ﴿ أؤلئك هُمُ الْمُتَّقُونَ ﴾ [الزمر : ٣٣] وقال الزجاج : روي عن علي رضي الله عنه أنه قال : والذي جاء بالصدق محمد رسول الله صلى الله عليه وسلّم، والذي صدق به أبو بكر الصديق رضي الله عنه.
وروي أن الذي جاء بالصدق محمد رسول الله صلى الله عليه وسلّم، والذي صدق به المؤمنون، والكل صحيح كذا قاله.
قالوا : والوجه في العربية أن يكون " جاء " و " صدق " لفاعل واحد لأن التغاير يستدعي إضمار الذي، وذا غير جائز، أو إضمار الفاعل من غير تقدم الذكر وذا بعيد.
﴿ لَهُم مَّا يَشَآءُونَ عِندَ رَبِّهِمْ ذَالِكَ جَزَآءُ الْمُحْسِنِينَ * لِيُكَفِّرَ اللَّهُ عَنْهُمْ أَسْوَأَ الَّذِى عَمِلُوا وَيَجْزِيَهُمْ أَجْرَهُم بِأَحْسَنِ الَّذِى كَانُوا يَعْمَلُونَ ﴾ إضافة أسوأ وأحسن من إضافة الشيء إلى ما هو بعضه من غير تفضيل كقولك : الأشج أعدل بني مروان.
جزء : ٤ رقم الصفحة : ٨٥
﴿ أَلَيْسَ اللَّهُ بِكَافٍ ﴾ [الزمر : ٣٦] أدخلت همزة الإنكار على كلمة النفي فأفيد معنى إثبات الكفاية وتقريرها ﴿ عَبْدَهُ ﴾ أي محمداً صلى الله عليه وسلّم.
﴿ عِبَادَهُ ﴾ حمزة وعلي أي الأنبياء والمؤمنين وهو مثل ﴿ إِنَّا كَفَيْنَـاكَ الْمُسْتَهْزِءِينَ ﴾ [الحجر : ٩٥] (الحجر : ٥٩) ﴿ وَيُخَوِّفُونَكَ بِالَّذِينَ مِن دُونِهِ ﴾ [الزمر : ٣٦]
٨٦


الصفحة التالية
Icon