﴿ أَن تَقُولَ ﴾ [طه : ٩٤] لئلا تقول ﴿ نَفْسٍ ﴾ إنما نكرت لأن المراد بها بعض الأنفس وهي نفس الكافر، ويجوز أن يراد نفس متميزة من الأنفس إما بلجاج في الكفر شديد أو بعذاب عظيم، ويجوز أن يراد التكثير ﴿ يَـاحَسْرَتَى ﴾ الألف بدل من ياء المتكلم، وقرىء : يا حسرتي على الأصل ويا حسرتى على الجمع بين العوض والمعوض منه ﴿ نَفْسٌ يَـاحَسْرَتَى عَلَى مَا فَرَّطتُ ﴾ [
جزء : ٤ رقم الصفحة : ٩٢
الزمر : ٥٦] قصرت و " ما " مصدرية مثلها في ﴿ بِمَا رَحُبَتْ ﴾ [التوبة : ٢٥] (التوبة : ٥٢) ﴿ فِى جَنابِ اللَّهِ ﴾ [الزمر : ٥٦] في أمر الله أو في طاعة الله أو في ذاته، وفي حرف عبد الله في ذكر الله والجنب الجانب يقال : أنا في جنب فلان وجانبه وناحيته، وفلان لين الجانب والجنب، ثم قالوا : فرط في جنبه وفي جانبه يريدون في حقه، وهذا من باب الكناية لأنك إذا أثبت الأمر في مكان الرجل وحيزه فقد أثبته فيه، ومنه الحديث :" من الشرك الخفي أن يصلي الرجل لمكان الرجل "، أي لأجله، وقال الزجاج : معناه فرط في طريق الله وهو توحيده والإقرار بنبوة محمد صلى الله عليه وسلّم ﴿ وَإِن كُنتُ لَمِنَ السَّـاخِرِينَ ﴾ [الزمر : ٥٦] المستهزئين.
قال قتادة : لم يكفه أن ضيع طاعة الله حتى سخر من أهلها.
ومحل ﴿ وَإِن كُنتُ ﴾ [الزمر : ٥٦] النصب على الحال كأنه قال : فرطت وأنا ساخر أي فرطت في حال سخريتي ﴿ أَوْ تَقُولَ لَوْ أَنَّ اللَّهَ هَدَاـانِى ﴾ [الزمر : ٥٧] أي أعطاني الهداية ﴿ لَكُنتُ مِنَ الْمُتَّقِينَ ﴾ [الزمر : ٥٧] من الذين يتقون الشرك، قال الشيخ الإمام أبو منصور رحمه الله تعالى : هذا الكافر أعرف بهداية الله من المعتزلة، وكذا أولئك الكفرة الذين قالوا لأتباعهم :﴿ لَوْ هَدَاـانَا اللَّهُ لَهَدَيْنَـاكُمْ ﴾ [إبراهيم : ٢١] (إبراهيم : ١٢) يقولون : لو وفقنا الله للهداية وأعطانا الهدى لدعوناكم إليه، ولكن علم منا اختيار الضلالة والغواية فخذلنا ولم يوفقنا، والمعتزلة يقولون : بل هداهم وأعطاهم التوفيق لكنهم لم يهتدوا.
والحاصل أن عند الله لطفاً من أعطى ذلك اهتدى، وهو التوفيق والعصمة ومن لم يعطه ضل وغوى، وكان استحبابه العذاب وتضييعه الحق بعدما مكن من تحصيله لذلك
٩٤
﴿ أَوْ تَقُولَ حِينَ تَرَى الْعَذَابَ لَوْ أَنَّ لِى كَرَّةً ﴾ [الزمر : ٥٨] رجعة إلى الدنيا ﴿ فَأَكُونَ مِنَ الْمُحْسِنِينَ ﴾ [الزمر : ٥٨] من الموحدين ﴿ بَلَى قَدْ جَآءَتْكَ ءَايَـاتِى فَكَذَّبْتَ بِهَا وَاسْتَكْبَرْتَ وَكُنتَ مِنَ الْكَـافِرِينَ ﴾ [الزمر : ٥٩] " بلى " رد من الله عليه كأنه يقول : بلى قد جاءتك آياتي وبينت لك الهداية من الغواية وسبيل الحق من الباطل ومكنتك من اختيار الهداية على الغواية واختيار الحق على الباطل، ولكن تركت ذلك وضيعته واستكبرت عن قبوله، وآثرت الضلالة على الهدى، واشتغلت بضد ما أمرت به فإنما جاء التضييع من قبلك فلا عذر لك، و ﴿ بَلَى ﴾ جواب لنفي تقديري لأن المعنى : لو أن الله هداني ما هديت وإنما لم يقرن الجواب به، لأنه لا بد من حكاية أقوال النفس على ترتيبها ثم الجواب من بينها عما اقتضى الجواب.
جزء : ٤ رقم الصفحة : ٩٢
﴿ وَيَوْمَ الْقِيَـامَةِ تَرَى الَّذِينَ كَذَبُوا عَلَى اللَّهِ ﴾ [الزمر : ٦٠] وصفوه بما لا يجوز عليه من إضافة الشريك والولد إليه، ونفى الصفات عنه
جزء : ٤ رقم الصفحة : ٩٥
﴿ وُجُوهُهُم ﴾ مبتدأ ﴿ مُّسْوَدَّةٌ ﴾ خبر والجملة في محل النصب على الحال إن كان ترى من رؤية البصر، وإن كان من رؤية القلب فمفعول ثانٍ ﴿ أَلَيْسَ فِى جَهَنَّمَ مَثْوًى ﴾ [العنكبوت : ٦٨] منزل ﴿ لِّلْمُتَكَبِّرِينَ ﴾ هو إشارة إلى قوله ﴿ وَاسْتَكْبَرْتَ ﴾ ﴿ وَيُنَجِّى اللَّهُ ﴾ [الزمر : ٦١] ﴿ وَيُنَجِّى ﴾ : روح ﴿ الَّذِينَ اتَّقَوْا ﴾ [الأعراف : ٢٠١] من الشرك ﴿ بِمَفَازَتِهِمْ ﴾ بفلاحهم يقال : فاز بكذا إذا أفلح به وظفر بمراده منه وتفسيره المفازة ﴿ لا يَمَسُّهُمُ السُّواءُ ﴾ [الزمر : ٦١] النار ﴿ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ ﴾ [البقرة : ٣٨] كأنه قيل : وما مفازتهم؟ قيل : لا يمسهم السوء أي ينجيهم بنفي السوء والحزن عنهم.
أي لا يمس أبدانهم أذى ولا قلوبهم خزي، أو بسبب منجاتهم من قوله تعالى :﴿ فَلا تَحْسَبَنَّهُم بِمَفَازَةٍ مِّنَ الْعَذَابِ ﴾ [آل عمران : ١٨٨] (آل عمران : ٨٨١).
أي بمنجاة
٩٥


الصفحة التالية
Icon