منه ؛ لأن النجاة من أعظم الفلاح وسبب منجاتهم العمل الصالح، ولهذا(فسر ابن عباس المفازة بالأعمال الحسنة ويجوز بسبب فلاحهم العمل الصالح سبب الفلاح وهو دخول الجنة، ويجوز أن يسمى العمل الصالح فنفسه مفازة لأنه سببها، ولا محل لـ ﴿ لا يَمَسُّهُمُ ﴾ [الزمر : ٦١] على التفسير الأول لأنه كلام مستأنف، ومحله النصب على الحال على الثاني.
كوفي غير حفص.
جزء : ٤ رقم الصفحة : ٩٥
﴿ قُلِ اللَّهُ خَـالِقُ كُلِّ شَىْءٍ ﴾ [الرعد : ١٦] رد على المعتزلة والثنوية ﴿ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَىْءٍ وَكِيلٌ ﴾ [الأنعام : ١٠٢] حافظ.
﴿ لَّهُ مَقَالِيدُ السَّمَـاوَاتِ وَالارْضِ ﴾ [الزمر : ٦٣] أي هو مالك أمرها وحافظها، وهو من باب الكناية لأن حافظ الخزائن ومدبر أمرها هو الذي يملك مقاليدها، ومنه قولهم : فلان ألقيت إليه مقاليد الملك وهي المفاتيح واحدها مقليد، وقيل : لا واحد لها من لفظها، والكلمة أصلها فارسية ﴿ وَالَّذِينَ كَفَرُوا بِـاَايَـاتِ اللَّهِ أؤلئك هُمُ الْخَـاسِرُونَ ﴾ [الزمر : ٦٣] هو متصل بقوله ﴿ وَيُنَجِّى اللَّهُ الَّذِينَ اتَّقَوْا ﴾ [الزمر : ٦١] أي ينجي الله المتقين بمفازاتهم والذين كفروا هم الخاسرون.
واعترض بينهما بأنه خالق كل شيء، فهو مهيمن عليه، فلا يخفى عليه شيء من أعمال المكلفين فيها وما يجزون عليها، أو بما يليه على أن كل شيء في السماوات والأرض فالله خالقه وفاتح بابه، والذين كفروا وجحدوا أن يكون الأمر كذلك أولئك هم الخاسرون، وقيل : سأل عثمان رسول الله صلى الله عليه وسلّم عن تفسير قوله :﴿ لَّهُ مَقَالِيدُ السَّمَـاوَاتِ وَالارْضِ ﴾ [الزمر : ٦٣] فقال : يا عثمان ما سألني عنها أحد قبلك، تفسيرها لا إله إلا الله والله أكبر وسبحان الله وبحمده وأستغفر الله ولا حول ولا قوة إلا بالله هو الأول والآخر والظاهر والباطن بيده الخير يحيي ويميت وهو على كل شيء قدير.
وتأويله على هذا أن لله هذه الكلمات يوحد بها ويمجد وهي مفاتيح خير السماوات والأرض من تكلم بها من المتقين أصابه، والذين كفروا بآيات الله وكلمات توحيده وتمجيده أولئك هم الخاسرون.
٩٦
﴿ قُلْ ﴾ لمن دعاك إلى دين آبائك ﴿ أَفَغَيْرَ اللَّهِ تَأْمُرُوانِّى أَعْبُدُ ﴾ [الزمر : ٦٤] ﴿ تَأْمُرُوانِّى ﴾ مكي، على الأصل : شامي، ﴿ اللَّهِ تَأْمُرُوانِّى ﴾ [الزمر : ٦٤] مدني، وانتصب.
﴿ أَفَغَيْرَ اللَّهِ ﴾ [الأنعام : ١١٤] بـ ﴿ أَعْبُدَ ﴾ و ﴿ تَأْمُرُوانِّى ﴾ اعتراض، ومعناه أفغير الله أعبد بأمركم بعد هذا البيان
جزء : ٤ رقم الصفحة : ٩٥
﴿ أَيُّهَا الْجَـاهِلُونَ ﴾ [الزمر : ٦٤] بتوحيد الله ﴿ وَلَقَدْ أُوْحِىَ إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكَ ﴾ [الزمر : ٦٥] من الأنبياء عليهم السلام ﴿ لَـاـاِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ ﴾ [الزمر : ٦٥] الذي علمت قبل الشرك ﴿ وَلَتَكُونَنَّ مِنَ الْخَـاسِرِينَ ﴾ [الزمر : ٦٥] وإنما قال ﴿ لَـاـاِنْ أَشْرَكْتَ ﴾ [الزمر : ٦٥] على التوحيد والموحى إليهم جماعة لأن معناه أوحي إليك لئن أشركت ليحبطنّ عملك وإلى الذين من قبلك مثله، واللام الأولى موطئة للقسم المحذوف، والثانية لام الجواب، وهذا الجواب ساد مسد الجوابين أعني جوابي القسم والشرط.
وإنما صح هذا الكلام مع علمه تعالى بأن رسله لا يشركون لأن الخطاب للنبي عليه السلام والمراد به غيره، ولأنه على سبيل الفرض، والمحالات يصح فرضها.
وقيل : لئن طالعت غيري في السر ليحبطن ما بيني وبينك من السر ﴿ بَلِ اللَّهَ فَاعْبُدْ ﴾ [الزمر : ٦٦] رد لما أمروه من عبادة آلهتهم كأنه قال : لا تعبد ما أمروك بعبادته بل إن عبدت فاعبد الله ؛ فحذف الشرط وجعل تقديم المفعول عوضاً عنه ﴿ وَكُن مِّنَ الشَّـاكِرِينَ ﴾ [الأعراف : ١٤٤] على ما أنعم به عليك من أن جعلك سيد ولد آدم ﴿ وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ ﴾ [الأنعام : ٩١] وما عظموه حق عظمته إذ دعوك إلى عبادة غيره، ولما كان العظيم من الأشياء إذا عرفه الإنسان حق معرفته وقدره في نفسه حق تعظيمه قيل : وما قدروا الله حق قدره.
جزء : ٤ رقم الصفحة : ٩٥