﴿ لا إِلَـاهَ إِلا هُوَ ﴾ [البقرة : ٢٥٥] صفة أيضاً لـ ﴿ ذِى الطَّوْلِ ﴾ [غافر : ٣] ويجوز أن يكون مستأنفاً ﴿ إِلَيْهِ الْمَصِيرُ ﴾ [غافر : ٣] المرجع ﴿ مَا يُجَـادِلُ فِى ءَايَـاتِ اللَّهِ إِلا الَّذِينَ كَفَرُوا ﴾ [غافر : ٤] ما يخاصم فيها بالتكذيب بها والإنكار لها، وقد دل على ذلك في قوله ﴿ وَجَـادَلُوا بِالْبَـاطِلِ لِيُدْحِضُوا بِهِ الْحَقَّ ﴾ [غافر : ٥] (غافر : ٥) فأما الجدال فيها لإيضاح ملتبسها وحل مشكلها واستنباط معانيها ورد أهل الزيغ بها فأعظم جهاد في سبيل الله ﴿ فَلا يَغْرُرْكَ تَقَلُّبُهُمْ فِى الْبِلَـادِ ﴾ [غافر : ٤] بالتجارات النافقة والمكاسب المربحة سالمين غانمين فإن عاقبة أمرهم إلى العذاب، ثم بين كيف ذلك فأعلم أن الأمم الذين كذبت قبلهم أهلكت فقال ﴿ كَذَّبَتْ قَبْلَهُمْ قَوْمُ نُوحٍ ﴾ [القمر : ٩] نوحاً ﴿ وَالاحْزَابُ ﴾ أي الذين تحزبوا
١٠٣
على الرسل وناصبوهم وهم عاد وثمود وقوم لوط وغيرهم ﴿ مِن بَعْدِهِمْ ﴾ [
جزء : ٤ رقم الصفحة : ١٠٢
الأعراف : ١٧٣] من بعد قوم نوح ﴿ وَهَمَّتْ كُلُّ أُمَّة ﴾ [غافر : ٥] من هذه الأمم التي هي قوم نوح والأحزاب ﴿ بِرَسُولِهِمْ لِيَأْخُذُوهُ ﴾ [غافر : ٥] ليتمكنوا منه فيقتلوه.
والأخيذ : الأسير ﴿ وَجَـادَلُوا بِالْبَـاطِلِ ﴾ [غافر : ٥] بالكفر ﴿ لِيُدْحِضُوا بِهِ الْحَقَّ ﴾ [غافر : ٥] ليبطلوا به الإيمان ﴿ فَأَخَذْتُهُمْ ﴾ مظهر : مكي وحفص يعني أنهم قصدوا أخذه فجعلت جزاءهم على إرادة أخذ الرسل أن أخذتهم فعاقبتهم ﴿ فَكَيْفَ كَانَ عِقَابِ ﴾ [الرعد : ٣٢] وبالياء : يعقوب.
أي فإنكم تمرون على بلادهم فتعاينون أثر ذلك، وهذا تقرير فيه معنى التعجيب ﴿ وَكَذَالِكَ حَقَّتْ كَلِمَتُ رَبِّكَ عَلَى الَّذِينَ كَفَرُوا ﴾ ﴿ كَلِمَتُ رَبِّكَ ﴾ مدني وشامي ﴿ أَنَّهُمْ أَصْحَـابُ النَّارِ ﴾ [غافر : ٦] في محل الرفع بدل من ﴿ وَأَوْرَثْنَا الْقَوْمَ ﴾ [الأعراف : ١٣٧] أي مثل ذلك الوجوب وجب على الكفرة كونهم من أصحاب النار، ومعناه كما وجب إهلاكهم في الدنيا بالعذاب المستأصل كذلك وجب إهلاكهم بعذاب النار في الآخرة.
أو في محل النصب بحذف لام التعليل وإيصال الفعل و ﴿ الَّذِينَ كَفَرُوا ﴾ [النمل : ٦٧] قريش، ومعناه كما وجب إهلاك أولئك الأمم كذلك وجب إهلاك هؤلاء ؛ لأن علة واحدة تجمعهم أنهم من أصحاب النار، ويلزم الوقف على النار.
لأنه لو وصل لصار
﴿ الَّذِينَ يَحْمِلُونَ الْعَرْشَ وَمَنْ حَوْلَهُ ﴾ [غافر : ٧] يعني حاملي العرش والحافين حوله وهم الكروبيون سادة الملائكة صفة لأصحاب النار وفساده ظاهر.
روي أن حملة العرش أرجلهم في الأرض السفلى ورءوسهم قد خرقت العرش وهم خشوع لا يرفعون طرفهم، وفي الحديث " إن الله تعالى أمر جميع الملائكة أن يغدوا ويروحوا بالسلام على حملة العرش تفضيلاً لهم على سائر الملائكة " وقيل : حول العرش سبعون ألف صف من الملائكة يطوفون به مهللين مكبرين، ومن ورائهم سبعون ألف صف قد وضعوا الأيمان على الشمائل ما منهم أحد إلا وهو " يسبح بما لا يسبح به الآخر ".
﴿ يُسَبِّحُونَ ﴾ خبر
١٠٤
المبتدأ وهو ﴿ الَّذِينَ ﴾ ﴿ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ ﴾ [الزمر : ٧٥] أي مع حمده إذ الباء تدل على أن تسبيحهم بالحمدلة ﴿ وَيُؤْمِنُونَ بِهِ ﴾ [غافر : ٧] وفائدته مع علمنا بأن حملة العرش ومن حوله من الملائكة الذين يسبحون بحمده مؤمنون إظهار شرف الإيمان وفضله والترغيب فيه كما وصف الأنبياء في غير موضع بالصلاح لذلك، وكما عقب أعمال الخير بقوله :﴿ ثُمَّ كَانَ مِنَ الَّذِينَ ءَامَنُوا ﴾ [البلد : ١٧] (البلد : ٧١).
فأبان بذلك فضل الإيمان، وقد روعي التناسب في قوله :﴿ وَيُؤْمِنُونَ بِهِ ﴾ [غافر : ٧].
جزء : ٤ رقم الصفحة : ١٠٢