﴿ وَيَسْتَغْفِرُونَ لِلَّذِينَ ءَامَنُوا ﴾ [غافر : ٧] كأنه قيل : ويؤمنون به ويستغفرون لمن في مثل حالهم، وفيه دليل على أن الاشتراك في الإيمان يجب أن يكون أدعى شيء إلى النصيحة والشفقة، وإن تباعدت الأجناس والأماكن ﴿ رَبَّنَآ ﴾ أي يقولون ربنا وهذا المحذوف حال ﴿ وَسِعْتَ كُلَّ شَىْءٍ رَّحْمَةً وَعِلْمًا ﴾ [غافر : ٧] والرحمة والعلم هما اللذان وسعا كل شيء في المعنى، إذ الأصل وسع كل شيء رحمتك وعلمك، ولكن أزيل الكلام عن أصله بأن أسند الفعل إلى صاحب الرحمة والعلم وأخرجا منصوبين على التمييز مبالغة في وصفه بالرحمة والعلم ﴿ فَاغْفِرْ لِلَّذِينَ تَابُوا ﴾ [غافر : ٧] أي للذين علمت منهم التوبة لتناسب ذكر الرحمة والعلم ﴿ وَاتَّبَعُوا سَبِيلَكَ ﴾ [غافر : ٧] أي طريق الهدى الذي دعوت إليه ﴿ وَقِهِمْ عَذَابَ الْجَحِيمِ * رَبَّنَا وَأَدْخِلْهُمْ جَنَّـاتِ عَدْنٍ الَّتِى وَعَدْتَّهُمْ وَمَن صَلَحَ مِنْ ءَابَآ ـاِهِمْ وَأَزْوَاجِهِمْ وَذُرِّيَّـاتِهِمْ إِنَّكَ أَنتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ ﴾ " من " في موضع نصب عطف على " هم " في ﴿ وَأَدْخِلْهُمْ ﴾ أو في ﴿ وَعَدْتَّهُمْ ﴾ والمعنى وعدتهم ووعدت من صلح من آبائهم ﴿ وَأَزْوَاجِهِمْ وَذُرِّيَّـاتِهِمْ إِنَّكَ أَنتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ ﴾ [غافر : ٨] أي الملك الذي لا يغلب، وأنت مع ملكك وعزتك لا تفعل شيئاً خالياً من الحكمة وموجب حكمتك أن تفي بوعدك ﴿ وَقِهِمُ السَّيِّـاَاتِ ﴾ [غافر : ٩] أي جزاء السيئات وهو عذاب النار ﴿ وَمَن تَقِ السَّيِّئَاتِ يَوْمَـاـاِذٍ فَقَدْ رَحِمْتَهُا وَذَالِكَ ﴾ [غافر : ٩] أي رفع العذاب ﴿ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ ﴾ [التوبة : ٧٢].
﴿ إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا يُنَادَوْنَ ﴾ [غافر : ١٠] أي يوم القيامة إذا دخلوا النار ومقتوا
١٠٥
أنفسهم فيناديهم خزنة النار.
جزء : ٤ رقم الصفحة : ١٠٢
﴿ لَمَقْتُ اللَّهِ أَكْبَرُ مِن مَّقْتِكُمْ أَنفُسَكُمْ ﴾ [غافر : ١٠] أي لمقت الله أنفسكم أكبر من مقتكم أنفسكم، فاستغنى بذكرها مرة، والمقت أشد البغض، وانتصاب ﴿ إِذْ تُدْعَوْنَ إِلَى الايمَـانِ ﴾ [غافر : ١٠] بالمقت الأول عند الزمخشري، والمعنى أنه يقال لهم يوم القيامة : كان الله يمقت أنفسكم الأمارة بالسوء والكفر حين كان الأنبياء يدعونكم إلى الإيمان فتأبون قبوله وتختارون عليه الكفر أشد مما تمقتونهن اليوم، وأنتم في النار إذا وقعتم فيها باتباعكم هواهن، وقيل : معناه لمقت الله إياكم الآن أكبر من مقت بعضكم لبعض كقوله :﴿ ثُمَّ يَوْمَ الْقِيَـامَةِ يَكْفُرُ بَعْضُكُم بِبَعْضٍ وَيَلْعَنُ بَعْضُكُم بَعْضًا ﴾ [العنكبوت : ٢٥] (العنكبوت : ٥٢)، و ﴿ إِذْ تُدْعَوْنَ ﴾ [الشعراء : ٧٢] تعليل، وقال جامع العلوم وغيره :" إذ " منصوب بفعل مضمر دل عليه ﴿ لَمَقْتُ اللَّهِ ﴾ [غافر : ١٠] أي يمقتهم الله حين دعوا إلى الإيمان فكفروا، ولا ينتصب بالمقت الأول لأن قوله ﴿ لَمَقْتُ اللَّهِ ﴾ [غافر : ١٠] مبتدأ وهو مصدر وخبره ﴿ أَكْبَرُ مِن مَّقْتِكُمْ أَنفُسَكُمْ ﴾ [غافر : ١٠]، فلا يعمل في ﴿ إِذْ تُدْعَوْنَ ﴾ [الشعراء : ٧٢] ؛ لأن المصدر إذا أخبر عنه لم يجز أن يتعلق به شيء يكون في صلته لأن الإخبار عنه يؤذن بتمامه، وما يتعلق به يؤذن بنقصانه، ولا بالثاني لاختلاف الزمانين، وهذا لأنهم مقتوا أنفسهم في النار وقد دعوا إلى الإيمان في الدنيا ﴿ فَتَكْفُرُونَ ﴾ فتصرون على الكفر.
جزء : ٤ رقم الصفحة : ١٠٢
﴿ قَالُوا رَبَّنَآ أَمَتَّنَا اثْنَتَيْنِ وَأَحْيَيْتَنَا اثْنَتَيْنِ ﴾ [غافر : ١١] أي إماتتين وإحياءتين أو موتتين وحياتين، وأراد بالإماتتين خلقهم أمواتاً أولاً وإماتتهم عند انقضاء آجالهم، وصح أن يسمى خلقهم أمواتاً إماتة، كما صح أن يقال : سبحان من صغر جسم البعوضة وكبر جسم الفيل، وليس ثمة نقل من كبر إلى صغر، ولا من صغر إلى كبر، والسبب فيه أن الصغر والكبر جائزان على المصنوع الواحد، فإذا اختار الصانع أحد الجائزين فقد صرف المصنوع عن الجائز الآخر، فجعل صرفه عنه كنقله منه.
وبالإحياءتين : الإحياءة الأولى في الدنيا، والإحياءة الثانية البعث، ويدل عليه قوله :﴿ وَكُنتُمْ أَمْوَاتًا فَأَحْيَـاكُمْ ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ثُمَّ يُحْيِيكُمْ ﴾ [
جزء : ٤ رقم الصفحة : ١٠٦


الصفحة التالية
Icon