﴿ الْيَوْمَ تُجْزَى كُلُّ نَفْس بِمَا كَسَبَتْ لا ظُلْمَ الْيَوْمَ إِنَّ اللَّهَ سَرِيعُ الْحِسَابِ ﴾ [غافر : ١٧] لما قرر أن الملك لله وحده في ذلك اليوم عدد نتائج ذلك وهي أن كل نفس تجزى بما كسبت عملت في الدنيا من خير وشر، وأن الظلم مأمون منه لأنه ليس بظلام للعبيد، وأن الحساب لا يبطيء لأنه لا يشغله حساب عن حساب، فيحاسب الخلق كله في وقت واحد وهو أسرع الحاسبين ﴿ وَأَنذِرْهُمْ يَوْمَ الازِفَةِ ﴾ [غافر : ١٨] أي القيامة سميت بها لأزوفها أي لقربها، ويبدل من يوم الآزفة ﴿ إِذِ الْقُلُوبُ لَدَى الْحَنَاجِرِ ﴾ [غافر : ١٨] أي التراقي يعني ترتفع قلوبهم عن مقارها فتلصق بحناجرهم فلا هي تخرج فيموتوا ولا ترجع إلى مواضعها فيتنفسوا ويتروّحوا ﴿ كَـاظِمِينَ ﴾ ممسكين بحناجرهم.
من كظم القربة شد رأسها، وهو حال من القلوب محمول على أصحابها، أو إنما جمع الكاظم جمع السلامة لأنه وصفها بالكظم الذي هو من أفعال العقلاء ﴿ مَا لِلظَّـالِمِينَ ﴾ [غافر : ١٨] الكافرين ﴿ مِنْ حَمِيمٍ ﴾ [الصافات : ٦٧] محب مشفق
١٠٨
﴿ وَلا شَفِيعٍ يُطَاعُ ﴾ [غافر : ١٨] أي يشفع وهو مجاز عن الطاعة، لأن الطاعة حقيقة لا تكون إلا لمن فوقك، والمراد نفي الشفاعة والطاعة كما في قوله :
جزء : ٤ رقم الصفحة : ١٠٦
ولا ترى الضب بها ينجحر
يريد نفي الضب وانجحاره، وإن احتمل اللفظ انتفاء الطاعة دون الشفاعة، فعن الحسن : والله ما يكون لهم شفيع البتة.
﴿ يَعْلَمُ خَآ ـاِنَةَ الاعْيُنِ ﴾ [غافر : ١٩] مصدر بمعنى الخيانة كالعافية بمعنى المعافاة والمراد استراق النظر إلى ما لا يحل ﴿ وَمَا تُخْفِى الصُّدُورُ ﴾ [غافر : ١٩] وما تسره من أمانة وخيانة، وقيل : هو أن ينظر إلى أجنبية بشهوة مسارقة، ثم يتفكر بقلبه في جمالها ولا يعلم بنظرته وفكرته من بحضرته، والله يعلم ذلك كله ويعلم خائنة الأعين خبر من أخبار هو في قوله :﴿ هُوَ الَّذِى يُرِيكُمْ ءَايَـاتِهِ ﴾ [غافر : ١٣].
مثل ﴿ يُلْقِى الرُّوحَ ﴾ [غافر : ١٥] ولكن يلقي الروح قد علل بقوله :﴿ لِيُنذِرَ يَوْمَ التَّلاقِ ﴾ [غافر : ١٥] ثم استطرد ذكر أحوال يوم التلاق إلى قوله ﴿ وَلا شَفِيعٍ يُطَاعُ ﴾ [غافر : ١٨] فبعد لذلك عن أخواته ﴿ وَاللَّهُ يَقْضِى بِالْحَقِّ ﴾ [غافر : ٢٠] أي والذي هذه صفاته لا يحكم إلا بالعدل ﴿ وَالَّذِينَ يَدْعُونَ مِن دُونِهِ لا يَقْضُونَ بِشَىْءٍ ﴾ [غافر : ٢٠] وآلهتهم لا يقضون بشيء، وهذا تهكم بهم لأن ما لا يوصف بالقدرة لا يقال فيه يقضي أو لا يقضي.
﴿ تُدْعَوْنَ ﴾ نافع ﴿ إِنَّ اللَّهَ هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ ﴾ [غافر : ٢٠] تقرير لقوله ﴿ يَعْلَمُ خَآ ـاِنَةَ الاعْيُنِ وَمَا تُخْفِى الصُّدُورُ ﴾ [غافر : ١٩]، ووعيد لهم بأنه يسمع ما يقولون ويبصر ما يعملون، وأنه يعاقبهم عليه، وتعريض بما يدعون من دونه وأنها لا تسمع ولا تبصر ﴿ أَوَلَمْ يَسِيرُوا فِى الارْضِ فَيَنظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَـاقِبَةُ الَّذِينَ كَانُوا مِن قَبْلِهِمْ ﴾ أي آخر أمر الذين كذبوا الرسل من قبلهم ﴿ كَانُوا هُمْ أَشَدَّ مِنْهُمْ قُوَّةً ﴾ [غافر : ٢١] " هم " فصل، وحقه أن يقع بين معرفتين إلا أن أشد منهم ضارع المعرفة في أنه لا تدخله الألف واللام،
١٠٩
فأجري مجراه.
﴿ مِّنكُمْ ﴾ : شامي.
﴿ أَوَلَمْ يَسِيرُوا فِى ﴾ [غافر : ٢١] أي حصوناً وقصوراً ﴿ فَأَخَذَهُمُ اللَّهُ بِذُنُوبِهِمْ ﴾ [الانفال : ٥٢] عاقبهم بسبب ذنوبهم ﴿ وَمَا كَانَ لَهُم مِّنَ اللَّهِ مِن وَاقٍ ﴾ [غافر : ٢١] ولم يكن لهم شيء يقيهم من عذاب الله.
جزء : ٤ رقم الصفحة : ١٠٦
﴿ ذَالِكَ بِأَنَّهُمْ ﴾ [المنافقون : ٣] أي الأخذ بسبب أنهم ﴿ كَانَت تَّأْتِيهِمْ رُسُلُهُم بِالْبَيِّنَـاتِ فَكَفَرُوا فَأَخَذَهُمُ اللَّهُ إِنَّهُ قَوِىٌّ ﴾ [
جزء : ٤ رقم الصفحة : ١١٠