عم لفرعون آمن بموسى سراً، و ﴿ مِّنْ ءَالِ فِرْعَوْنَ ﴾ [البقرة : ٤٩] صفة لـ ﴿ رَجُلٌ ﴾، وقيل : كان إسرائيلياً ومن آل فرعون صلة ليكتم أي يكتم إيمانه من آل فرعون واسمه سمعان أو حبيب أو خربيل أو حزبيل، والظاهر الأول ﴿ أَتَقْتُلُونَ رَجُلا أَن يَقُولَ ﴾ [غافر : ٢٨] لأن يقول وهذا إنكار منه عظيم كأنه قيل : أترتكبون الفعلة الشنعاء التي هي قتل نفس محرمة وما لكم علة في ارتكابها إلا كلمة الحق؟، وهي قوله ﴿ رَبِّىَ اللَّهُ ﴾ [غافر : ٢٨] وهو ربكم أيضاً لا ربه وحده ﴿ وَقَدْ جَآءَكُم ﴾ [غافر : ٢٨] الجملة حال ﴿ بِالْبَيِّنَـاتِ مِن رَّبِّكُمْ ﴾ [غافر : ٢٨] يعني أنه لم يحضر لتصحيح قوله ببينة واحدة ولكن ببينات من عند من نسب إليه الربوبية وهو استدراج لهم إلى الاعتراف به ﴿ وَإِن يَكُ كَـاذِبًا فَعَلَيْهِ كَذِبُهُا وَإِن يَكُ صَادِقًا يُصِبْكُم بَعْضُ الَّذِى يَعِدُكُمْ ﴾ [غافر : ٢٨] احتج عليهم بطريق التقسيم فإنه لا يخلو من أن يكون كاذباً أو صادقاً، فإن يك كاذباً فعليه وبال كذبه ولا يتخطاه، وإن يك صادقاً يصبكم بعض الذي يعدكم من العذاب، ولم يقل " كل الذي يعدكم " مع أنه وعد من نبي صادق القول مداراة لهم وسلوكاً لطريق الإنصاف فجاء بما هو أقرب إلى تسليمهم له وليس فيه نفي إصابة الكل، فكأنه قال لهم : أقل ما يكون في صدقه أن يصيبكم بعض ما يعدكم وهو العذاب العاجل وفي ذلك هلاككم، وكان وعدهم عذاب الدنيا والآخرة، وتقديم الكاذب على الصادق من هذا القبيل أيضاً، وتفسير البعض بالكل مزيف ﴿ إِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِى مَنْ هُوَ مُسْرِفٌ ﴾ [غافر : ٢٨] مجاوز للحد ﴿ كَذَّابٌ ﴾ في ادعائه، وهذا أيضاً من باب المجاملة، والمعنى أنه إن كان مسرفاً كذاباً خذله الله وأهلكه فتتخلصون منه، أو لو كان مسرفاً كذاباً لما هداه الله بالنبوة ولما عضده بالبينات، وقيل : أو هم أنه عنى بالمسرف موسى وهو يعني به فرعون.
جزء : ٤ رقم الصفحة : ١١٠
﴿ يَـاقَوْمِ لَكُمُ الْمُلْكُ الْيَوْمَ ظَـاهِرِينَ ﴾ [غافر : ٢٩] عالين وهو حال من " كم " في ﴿ لَكُمُ ﴾ ﴿ فِى الارْضِ ﴾ [السجدة : ١٠] في أرض مصر ﴿ فَمَن يَنصُرُنَا مِن بَأْسِ اللَّهِ إِن جَآءَنَا ﴾ [غافر : ٢٩] يعني أن لكم ملك مصر، وقد علوتم الناس وقهرتموهم، فلا تفسدوا أمركم على أنفسكم، ولا تتعرضوا لبأس الله أي عذابه، فإنه لا طاقة لكم به إن جاءكم ولا يمنعكم منه أحد،
١١٢
وقال ﴿ يَنصُرُنَا ﴾ و ﴿ جَآءَنَا ﴾ لأنه منهم في القرابة، وليعلمهم بأن الذي ينصحهم به هو مساهم لهم فيه ﴿ قَالَ فِرْعَوْنُ مَآ أُرِيكُمْ إِلا مَآ أَرَى ﴾ [غافر : ٢٩] أي ما أشير عليكم برأي إلا بما أرى من قتله يعني لا أستصوب إلا قتله، وهذا الذي تقولونه غير صواب ﴿ وَمَآ أَهْدِيكُمْ ﴾ [غافر : ٢٩] بهذا الرأي ﴿ إِلا سَبِيلَ الرَّشَادِ ﴾ [غافر : ٢٩] طريق الصواب والصلاح، أو ما أعلمكم إلا ما أعلم من الصواب ولا أدخر منه شيئاً ولا أسر عنكم خلاف ما أظهر.
يعني أن لسانه وقلبه متواطئان على ما يقول، وقد كذب فقد كان مستشعراً للخوف الشديد من جهة موسى عليه السلام، ولكنه كان يتجلد، ولولا استشعاره لم يستشر أحداً ولم يقف الأمر على الإشارة.


الصفحة التالية
Icon