﴿ وَقَالَ الَّذِى ءَامَنَ يَـاقَوْمِ إِنِّى أَخَافُ عَلَيْكُم مِّثْلَ يَوْمِ الاحْزَابِ ﴾ [غافر : ٣٠] أي مثل أيامهم : لأنه لما أضافه إلى الأحزاب وفسرهم بقوله ﴿ مِثْلَ دَأْبِ قَوْمِ نُوحٍ وَعَادٍ وَثَمُودَ وَالَّذِينَ مِن بَعْدِهِمْ ﴾ [غافر : ٣١] ولم يلتبس أن كل حزب منهم كان له يوم دمار اقتصر على الواحد من الجمع، ودأب هؤلاء دءوبهم في عملهم من الكفر والتكذيب وسائر المعاصي وكون ذلك دائباً دائماً منهم لا يفترون عنه، ولا بد من حذف مضاف، أي مثل جزاء دأبهم، وانتصاب ﴿ مِثْلَ ﴾ الثاني بأنه عطف بيان لـ ﴿ مِثْلَ ﴾ الأول ﴿ وَمَا اللَّهُ يُرِيدُ ظُلْمًا لِّلْعِبَادِ ﴾ [غافر : ٣١] أي وما يريد الله أن يظلم عباده فيعذبهم بغير ذنب أو يزيد على قدر ما يستحقون من العذاب.
يعني أن تدميرهم كان عدلاً لأنهم استحقوه بأعمالهم، وهو أبلغ من قوله :﴿ وَمَا رَبُّكَ بِظَلَّـامٍ لِّلْعَبِيدِ ﴾ [فصلت : ٤٦] (فصلت : ٦٤) حيث جعل المنفي إرادة ظلم منكّر ومن بعد عن إرادة ظلم ما لعباده كان عن الظلم أبعد وأبعد، وتفسير المعتزلة بأنه لا يريد لهم أن يظلموا بعيد، لأن أهل اللغة قالوا : إذا قال الرجل لآخر " لا أريد ظلماً لك " معناه لا أريد أن أظلمك، وهذا تخويف بعذاب الدنيا.
جزء : ٤ رقم الصفحة : ١١٠
ثم خوفهم من عذاب الآخرة بقوله ﴿ وَيَـاقَوْمِ إِنِّى أَخَافُ عَلَيْكُمْ يَوْمَ التَّنَادِ ﴾ [غافر : ٣٢] أي يوم القيامة.
مكي ويعقوب في الحالين وإثبات الياء هو الأصل وحذفها حسن لأن الكسرة تدل على
١١٣
الياء وآخر هذه الآي على الدال، وهو ما حكى الله تعالى في سورة الأعراف :﴿ تَعْمَلُونَ * وَنَادَى أَصْحَـابُ الْجَنَّةِ أَصْحَـابَ النَّارِ ﴾ [الأعراف : ٤٤] (الآية : ٤٤).
﴿ وَنَادَى أَصْحَـابُ النَّارِ أَصْحَـابَ الْجَنَّةِ ﴾ [الأعراف : ٥٠] (الأعراف : ٠٥).
﴿ وَنَادَى أَصْحَـابُ الاعْرَافِ ﴾ [الأعراف : ٤٨] (الآية : ٨٤).
وقيل : ينادي منادٍ : ألا إن فلانا سعد سعادة لا يشقى بعدها أبداً، ألا إن فلاناً شقي شقاوة لا يسعد بعدها أبداً ﴿ يَوْمَ تُوَلُّونَ مُدْبِرِينَ ﴾ [غافر : ٣٣] منحرفين عن موقف الحساب إلى النار ﴿ مَا لَكُم مِّنَ اللَّهِ ﴾ من عذاب الله ﴿ مِنْ عَاصِمٍ ﴾ [يونس : ٢٧] مانع ودافع ﴿ وَمَن يُضْلِلِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ ﴾ [الرعد : ٣٣] مرشد ﴿ وَلَقَدْ جَآءَكُمْ يُوسُفُ مِن قَبْلُ بِالْبَيِّنَـاتِ ﴾ [غافر : ٣٤] هو يوسف بن يعقوب، وقيل : يوسف بن أفراييم بن يوسف بن يعقوب أقام فيهم نبياً عشرين سنة، وقيل : إن فرعون موسى هو فرعون يوسف إلى زمنه.
وقيل : هو فرعون آخر وبخهم بأن يوسف أتاكم من قبل موسى بالمعجزات ﴿ فَمَا زِلْتُمْ فِى شَكٍّ مِّمَّا جَآءَكُم بِهِ ﴾ [غافر : ٣٤] فشككتم فيها ولم تزالوا شاكين ﴿ حَتَّى إِذَا هَلَكَ قُلْتُمْ لَن يَبْعَثَ اللَّهُ مِن بَعْدِهِ رَسُولا ﴾ [غافر : ٣٤] حكماً من عند أنفسكم من غير برهان.
أي أقمتم على كفركم وظننتم أنه لا يجدد عليكم إيجاب الحجة ﴿ كَذَالِكَ يُضِلُّ اللَّهُ مَنْ هُوَ مُسْرِفٌ مُّرْتَابٌ ﴾ [غافر : ٣٤] أي مثل هذا الإضلال يضل الله كل مسرف في عصيانه مرتاب شاك في دينه.
جزء : ٤ رقم الصفحة : ١١٠
جزء : ٤ رقم الصفحة : ١١٤
﴿ الَّذِينَ يُجَـادِلُونَ ﴾ [غافر : ٣٥] بدل من ﴿ مَنْ هُوَ مُسْرِفٌ ﴾ [غافر : ٢٨] وجاز إبداله منه وهو جمع لأنه لا يريد مسرفاً واحداً بل كل مسرف ﴿ مَا يُجَـادِلُ فِى ﴾ [غافر : ٤] في دفعها وإبطالها ﴿ بِغَيْرِ سُلْطَـانٍ ﴾ [غافر : ٥٦] حجة ﴿ أَتَـاـاهُمْ كَبُرَ مَقْتًا ﴾ [غافر : ٣٥] أي عظم بغضاً، وفاعل
١١٤


الصفحة التالية
Icon