﴿ كِبْرٌ ﴾ ضمير ﴿ مَنْ هُوَ مُسْرِفٌ ﴾ [غافر : ٢٨] وهو جمع معنى وموحد لفظاً فحمل البدل على معناه والضمير الراجع إليه على لفظه، ويجوز أن يرفع ﴿ الَّذِينَ ﴾ على الابتداء، ولا بد في هذا الوجه من حذف مضاف يرجع إليه الضمير في ﴿ كِبْرٌ ﴾ تقديره جدال الذين يجادلون كبر مقتاً ﴿ عِندَ اللَّهِ وَعِندَ الَّذِينَ ءَامَنُوا كَذَالِكَ يَطْبَعُ اللَّهُ عَلَى كُلِّ قَلْبِ مُتَكَبِّرٍ جَبَّارٍ ﴾ [غافر : ٣٥].
﴿ قَلْبِ ﴾ بالتنوين : أبو عمرو.
وإنما وصف القلب بالتكبر والتجبر لأنه منبعهما كما تقول : سمعت الأذن وهو كقوله :﴿ فَإِنَّهُا ءَاثِمٌ قَلْبُهُ ﴾ [البقرة : ٢٨٣] (البقرة : ٣٨٢)، وإن كان الآثم هو الجملة.
جزء : ٤ رقم الصفحة : ١١٤
﴿ وَقَالَ فِرْعَوْنُ ﴾ [يونس : ٧٩] تمويهاً على قومه أو جهلاً منه ﴿ يَـاهَـامَـانُ ابْنِ لِى صَرْحًا ﴾ أي قصراً.
وقيل الصرح : البناء الظاهر الذي لا يخفى على الناظر وإن بعد، ومنه يقال : صرح الشيء إذا ظهر ﴿ لَّعَلِّى ﴾ وبفتح الياء : حجازي وشامي وأبو عمرو ﴿ أَبْلُغُ الاسْبَـابَ ﴾ [غافر : ٣٦] ثم أبدل منها تفخيماً لشأنها وإبانة أنه يقصد أمراً عظيماً ﴿ أَسْبَـابَ السَّمَـاوَاتِ ﴾ [غافر : ٣٧] أي طرقها وأبوابها وما يؤدي إليها وكل ما أداك إلى شيء فهو سبب إليه كالرشاء ونحوه ﴿ فَأَطَّلِعَ ﴾ بالنصب : حفص على جواب الترجي تشبيهاً للترجي بالتمني.
وغيره بالرفع عطفاً على ﴿ أَبْلُغُ ﴾ ﴿ إِلَى إِلَـاهِ مُوسَى ﴾ [القصص : ٣٨] والمعنى فأنظر إليه ﴿ وَإِنِّى لاظُنُّهُ ﴾ [غافر : ٣٧] أي موسى ﴿ كَـاذِبًا ﴾ في قوله له إله غيري ﴿ وَكَذَالِكَ ﴾ ومثل ذلك التزيين وذلك الصد ﴿ زُيِّنَ لِفِرْعَوْنَ سُواءُ عَمَلِهِ وَصُدَّ عَنِ السَّبِيلِ ﴾ [غافر : ٣٧] المستقيمة.
وبفتح الصاد : كوفي ويعقوب أي غيره صداً أو هو بنفسه صدوداً.
والمزين الشيطان بوسوسته كقوله :﴿ وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَـانُ أَعْمَـالَهُمْ فَصَدَّهُمْ عَنِ السَّبِيلِ ﴾ [النمل : ٢٤] (النمل : ٤٢).
أو الله تعالى، ومثله :﴿ زَيَّنَّا لَهُمْ أَعْمَـالَهُمْ فَهُمْ يَعْمَهُونَ ﴾ [النمل : ٤] (النمل : ٤) ﴿ وَمَا كَيْدُ فِرْعَوْنَ إِلا فِى تَبَابٍ ﴾ [غافر : ٣٧] خسران وهلاك.
١١٥
﴿ وَقَالَ الَّذِى ءَامَنَ يَـاقَوْمِ اتَّبِعُونِ ﴾ [غافر : ٣٨] في الحالين : مكي ويعقوب وسهل.
﴿ اتَّبِعُونِ أَهْدِكُمْ سَبِيلَ الرَّشَادِ ﴾ [غافر : ٣٨] وهو نقيض الغي، وفيه تعريض شبيه بالتصريح أن ما عليه فرعون وقومه سبيل الغي.
أجمل أولاً، ثم فسر فافتتح بذم الدنيا وتصغير شأنها بقوله ﴿ يَـاقَوْمِ إِنَّمَا هَـاذِهِ الْحَيَواةُ الدُّنْيَا مَتَـاعٌ ﴾ تمتع يسير، فالإخلاد إليها أصل الشر ومنبع الفتن وثنى بتعظيم الآخرة وبين أنها هي الوطن والمستقر بقوله ﴿ وَإِنَّ الاخِرَةَ هِىَ دَارُ الْقَرَارِ ﴾ [غافر : ٣٩] ثم ذكر الأعمال سيئها وحسنها وعاقبة كل منهما ليثبط عما يتلف وينشط لما يزلف بقوله :
جزء : ٤ رقم الصفحة : ١١٤
﴿ مَنْ عَمِلَ سَيِّئَةً فَلا يُجْزَى إِلا مِثْلَهَا وَمَنْ عَمِلَ صَـالِحًا مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُوالَـائكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ يُرْزَقُونَ فِيهَا بِغَيْرِ حِسَابٍ ﴾ [غافر : ٤٠] ﴿ يَدْخُلُونَ ﴾ مكي وبصري ويزيد وأبو بكر، ثم وازن بين الدعوتين دعوته إلى دين الله الذي ثمرته الجنات، ودعوتهم إلى اتخاذ الأنداد الذي عاقبته النار بقوله ﴿ وَيَـاقَوْمِ ﴾ وبفتح الياء : حجازي وأبو عمرو ﴿ وَيَـاقَوْمِ مَا لِى ﴾ [غافر : ٤١] أي الجنة ﴿ وَتَدْعُونَنِى إِلَى النَّارِ * تَدْعُونَنِى لاكْفُرَ بِاللَّهِ ﴾ هو بدل من ﴿ تَدْعُونَنِى ﴾ الأول يقال : دعاه إلى كذا ودعاه له كما يقال هداه إلى الطريق وهداه له ﴿ وَأُشْرِكَ بِهِ مَا لَيْسَ لِى بِهِ عِلْمٌ ﴾ [غافر : ٤٢] أي بربوبيته والمراد بنفي العلم نفي المعلوم كأنه قال : وأشرك به ما ليس بإله وما ليس بإله كيف يصح أن يعلم إلهاً ﴿ وَأَنَا أَدْعُوكُمْ إِلَى الْعَزِيزِ الْغَفَّـارِ ﴾ [غافر : ٤٢] وهو الله سبحانه وتعالى، وتكرير النداء لزيادة التنبيه لهم والإيقاظ عن سنة الغفلة، وفيه أنهم قومه وأنه
١١٦
من آل فرعون.
وجيء بالواو في النداء الثالث دون الثاني، لأن الثاني داخل على كلام هو بيان للمجمل وتفسير له بخلاف الثالث.


الصفحة التالية
Icon