﴿ لا جَرَمَ ﴾ [النحل : ٢٣] عند البصريين لا رد لما دعاه إليه قومه، و " جرم " فعل بمعنى حق و " أن " مع ما في حيزه فاعله أي حق ووجب بطلان دعوته ﴿ أَنَّمَا تَدْعُونَنِى إِلَيْهِ لَيْسَ لَهُ دَعْوَةٌ فِى الدُّنْيَا وَلا فِى الاخِرَةِ ﴾ [غافر : ٤٣] معناه أن تدعونني إليه ليس له دعوة إلى نفسه قط أي من حق المعبود بالحق أن يدعو العباد إلى طاعته، وما تدعون إليه وإلى عبادته لا يدعو هو إلى ذلك ولا يدعي الربوبية، أو معناه ليس له استجابة دعوة في الدنيا ولا في الآخرة أو دعوة مستجابة، جعلت الدعوة التي لا استجابة لها ولا منفعة كلا دعوة، أو سميت الاستجابة باسم الدعوة كما سمي الفعل المجازي عليه بالجزاء في قوله :" كما تدين تدان " ﴿ وَأَنَّ مَرَدَّنَآ إِلَى اللَّهِ ﴾ [غافر : ٤٣] وأن رجوعنا إليه ﴿ وَأَنَّ الْمُسْرِفِينَ ﴾ [غافر : ٤٣] وأن المشركين ﴿ هُمْ أَصْحَـابُ النَّارِ * فَسَتَذْكُرُونَ مَآ أَقُولُ لَكُمْ ﴾ أي من النصيحة عند نزول العذاب ﴿ وَأُفَوِّضُ ﴾ وأسلم ﴿ أَمْرِى ﴾ وبفتح الياء : مدني وأبو عمرو ﴿ إِلَى اللَّهِ ﴾ [غافر : ٤٤] لأنهم توعدوه ﴿ إِنَّ اللَّهَ بَصِيرُ بِالْعِبَادِ ﴾ [غافر : ٤٤] بأعمالهم ومالهم ﴿ فَوَقَـاـاهُ اللَّهُ سَيِّـاَاتِ مَا مَكَرُوا ﴾ [غافر : ٤٥] شدائد مكرهم وما هموا به من إلحاق أنواع العذاب بمن خالفهم، وقيل : إنه خرج من عندهم هارباً إلى جبل فبعث قريباً من ألف في طلبه فمنهم من أكلته السباع ومن رجع منهم صلبه فرعون ﴿ وَحَاقَ ﴾ ونزل.
جزء : ٤ رقم الصفحة : ١١٤
﴿ فَوَقَـاـاهُ اللَّهُ سَيِّـاَاتِ مَا مَكَرُوا ﴾ بدل من ﴿ سُواءُ الْعَذَابِ ﴾ [غافر : ٤٥] أو خبر مبتدأ محذوف كأنه قيل : ما سوء العذاب؟ فقيل : هو النار، أو مبتدأ خبره ﴿ يُعْرَضُونَ عَلَيْهَا ﴾ [الشورى : ٤٥] وعرضهم عليها إحراقهم
١١٧
بها يقال : عرض الإمام الأسارى على السيف إذا قتلهم به.
﴿ غُدُوًّا وَعَشِيًّا ﴾ [غافر : ٤٦] أي في هذين الوقتين يعذبون بالنار، وفيما بين ذلك إما أن يعذبوا بجنس آخر أو ينفس عنهم، ويجوز أن يكون غدواً وعشياً عبارة عن الدوام هذا في الدنيا ﴿ وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ ﴾ [غافر : ٤٦] يقال لخزنة جهنم ﴿ أَدْخِلُوا ءَالَ فِرْعَوْنَ ﴾ [غافر : ٤٦] من الإدخال : مدني وحمزة وعلي وحفص وخلف ويعقوب، وغيرهم ﴿ أَدْخِلُوا ﴾ أي يقال لهم ادخلوا يا آل فرعون ﴿ أَشَدَّ الْعَذَابِ ﴾ [غافر : ٤٦] أي عذاب جهنم، وهذه الآية دليل على عذاب القبر.
﴿ وَإِذْ يَتَحَآجُّونَ ﴾ [غافر : ٤٧] واذكر وقت تخاصمهم ﴿ فِى النَّارِ فَيَقُولُ الضُّعَفَـاؤُا لِلَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا ﴾ يعني الرؤساء ﴿ إِنَّا كُنَّا لَكُمْ تَبَعًا ﴾ [إبراهيم : ٢١] تباعاً كخدم في جمع خادم ﴿ فَهَلْ أَنتُم مُّغْنُونَ ﴾ [إبراهيم : ٢١] دافعون ﴿ عَنَّا نَصِيبًا ﴾ [غافر : ٤٧] جزاءً ﴿ مِّنَ النَّارِ * قَالَ الَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا إِنَّا كُلٌّ فِيهَآ ﴾ التنوين عوض من المضاف إليه أي إنا كلنا فيها لا يغني أحد عن أحد ﴿ إِنَّ اللَّهَ قَدْ حَكَمَ بَيْنَ الْعِبَادِ ﴾ [غافر : ٤٨] قضى بينهم بأن أدخل أهل الجنة الجنة وأهل النار النار ﴿ وَقَالَ الَّذِينَ فِى النَّارِ لِخَزَنَةِ جَهَنَّمَ ﴾ [غافر : ٤٩] للقوّام بتعذيب أهلها.
وإنما لم يقل " لخزنتها " لأن في ذكر جهنم تهويلاً وتفظيعاً، ويحتمل أن جهنم هي أبعد النار قعراً من قولهم " بئر جهنّام " بعيدة القعر وفيها أعتى الكفار وأطغاهم، فلعل الملائكة الموكلين بعذاب أولئك أجوب دعوة لزيادة قربهم من الله تعالى فلهذا تعمدهم أهل النار بطلب الدعوة منهم
جزء : ٤ رقم الصفحة : ١١٤
﴿ ادْعُوا رَبَّكُمْ يُخَفِّفْ عَنَّا يَوْمًا ﴾ [غافر : ٤٩] بقدر يوم من الدنيا ﴿ مِّنَ الْعَذَابِ * قَالُوا ﴾ أي الخزنة توبيخاً لهم بعد مدة طويلة ﴿ أَوَلَمْ تَكُ ﴾ [غافر : ٥٠] أي ولم تك قصة، وقوله ﴿ تَأْتِيكُمْ رُسُلُكُم ﴾ [غافر : ٥٠] تفسير للقصة ﴿ بِالْبَيِّنَـاتِ ﴾ بالمعجزات ﴿ قَالُوا ﴾ أي الكفار ﴿ بَلَى قَالُوا ﴾ [غافر : ٥٠] أي الخزنة تهكماً بهم ﴿ فَادْعُوا ﴾ أنتم ولا استجابة لدعائكم ﴿ وَمَا دُعَـاؤُا الْكَـافِرِينَ إِلا فِى ضَلَـالٍ ﴾ بطلان وهو من قول الله تعالى، ويحتمل أن يكون من كلام الخزنة.
١١٨


الصفحة التالية
Icon