﴿ إِنَّ السَّاعَةَ لاتِيَةٌ لا رَيْبَ فِيهَا ﴾ [غافر : ٥٩] لا بد من مجيئها وليس بمرتاب فيها لأنه لا بد من جزاء لئلا يكون خلق الخلق للفناء خاصة ﴿ وَلَـاكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يُؤْمِنُونَ ﴾ [هود : ١٧] لا يصدقون بها ﴿ وَقَالَ رَبُّكُمْ ادْعُونِى ﴾ [غافر : ٦٠] اعبدوني ﴿ أَسْتَجِبْ لَكُمْ ﴾ [غافر : ٦٠] أثبكم فالدعاء بمعنى العبادة كثير في القرآن ويدل عليه قوله ﴿ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِى ﴾ [غافر : ٦٠] وقال عليه السلام :" الدعاء هو العبادة " وقرأ هذه الآية صلى الله عليه وسلّم.
وعن ابن عباس رضي الله عنهما : وحدوني أغفر لكم وهذا تفسير للدعاء بالعبادة ثم للعبادة بالتوحيد.
وقيل : سلوني أعطكم ﴿ سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ ﴾ [غافر : ٦٠] ﴿ سَيَدْخُلُونَ ﴾ مكي وأبو عمرو.
﴿ دَاخِرِينَ ﴾ صاغرين.
﴿ اللَّهُ الَّذِى جَعَلَ لَكُمُ الَّيْلَ لِتَسْكُنُوا فِيهِ وَالنَّهَارَ مُبْصِرًا ﴾ [غافر : ٦١] هو من الإسناد المجازي أي مبصراً فيه لأن الإبصار في الحقيقة لأهل النهار.
وقرن ﴿ الَّيْلَ ﴾ بالمفعول له و ﴿ النَّهَارَ ﴾ بالحال ولم يكونا حالين أو مفعولاً لهما رعاية لحق المقابلة لأنهما متقابلان معنى، لأن كل واحد منهما يؤدي مؤدي الآخر، ولأنه لو قيل لتبصروا فيه فاتت الفصاحة التي في الإسناد المجازي، ولو قيل ساكناً لم تتميز الحقيقة من المجاز إذ الليل يوصف بالسكون على الحقيقة، ألا ترى إلى قولهم ليل ساجٍ أي ساكن لا ريح فيه ﴿ إِنَّ اللَّهَ لَذُو فَضْلٍ عَلَى النَّاسِ ﴾ [البقرة : ٢٤٣] ولم يقل لمفضل أو لمتفضل لأن المراد تنكير الفضل وأن يجعل فضلاً لا يوازيه فضل وذلك إنما يكون بالإضافة ﴿ وَلَـاكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَشْكُرُونَ ﴾ [البقرة : ٢٤٣] ولم يقل " ولكن أكثرهم " حتى لا يتكرر ذكر الناس لأن في هذا التكرير تخصيصاً لكفران النعمة بهم وأنهم هم الذين يكفرون فضل الله ولا
١٢١
يشكرونه كقوله :﴿ إِنَّ الانسَـانَ لَكَفُورٌ ﴾ [الحج : ٦٦] (الحج : ٦٦).
وقوله :﴿ إِنَّ الانسَـانَ لَظَلُومٌ كَفَّارٌ ﴾ [إبراهيم : ٣٤] (إبراهيم : ٤٣).
جزء : ٤ رقم الصفحة : ١١٩
﴿ ذَالِكُمُ ﴾ الذي خلق لكم الليل والنهار ﴿ اللَّهُ رَبُّكُمْ خَـالِقُ كُلِّ شَىْءٍ لا إِلَـاهَ إِلا هُوَ ﴾ [غافر : ٦٢] أخبار مترادفة أي هو الجامع لهذه الأوصاف من الربوبية والإلهية وخلق كل شيء والوحدانية ﴿ فَأَنَّى تُؤْفَكُونَ ﴾ [الأنعام : ٩٥] فكيف ومن أي وجه تصرفون عن عبادته إلى عبادة الأوثان؟ ﴿ كَذَالِكَ يُؤْفَكُ الَّذِينَ كَانُوا بِـاَايَـاتِ اللَّهِ يَجْحَدُونَ ﴾ [غافر : ٦٣] أي كل من جحد بآيات الله ولم يتأملها ولم يطلب الحق أفك كما أفكوا.
﴿ اللَّهُ الَّذِى جَعَلَ لَكُمُ الارْضَ قَرَارًا ﴾ [غافر : ٦٤] مستقراً ﴿ وَالسَّمَآءَ بِنَآءً ﴾ [البقرة : ٢٢] سقفاً فوقكم ﴿ وَصَوَّرَكُمْ فَأَحْسَنَ صُوَرَكُمْ ﴾ [التغابن : ٣] قيل : لم يخلق حيواناً أحسن صورة من الإنسان.
وقيل : لم يخلقهم منكوسين كالبهائم ﴿ وَرَزَقَكُم مِّنَ الطَّيِّبَـاتِ ﴾ [النحل : ٧٢] اللذيذات ﴿ ذَالِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ فَتَبَارَكَ اللَّهُ رَبُّ الْعَـالَمِينَ * هُوَ الْحَىُّ لا إِلَـاهَ إِلا هُوَ فَـادْعُوهُ ﴾ فاعبدوه ﴿ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ ﴾ [غافر : ٦٥] أي الطاعة من الشرك والرياء قائلين ﴿ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَـالَمِينَ ﴾ [الفاتحة : ٢] وعن ابن عباس رضي الله عنهما : من قال لا إله إلا الله فليقل على أثرها الحمد لله رب العالمين.
ولما طلب الكفار منه عليه السلام عبادة الأوثان نزل ﴿ قُلْ إِنِّى نُهِيتُ أَنْ أَعْبُدَ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِن دُونِ اللَّهِ لَمَّا جَآءَنِىَ الْبَيِّنَـاتُ مِن رَّبِّى ﴾ [غافر : ٦٦] هي القرآن وقيل العقل والوحي ﴿ وَأُمِرْتُ أَنْ أُسْلِمَ ﴾ [غافر : ٦٦] أستقيم وأنقاد ﴿ لِرَبِّ الْعَـالَمِينَ ﴾ [البقرة : ١٣١].
١٢٢
﴿ هُوَ الَّذِى خَلَقَكُم ﴾ [التغابن : ٢] أي أصلكم ﴿ مِّن تُرَابٍ ثُمَّ مِن نُّطْفَةٍ ثُمَّ مِنْ عَلَقَةٍ ثُمَّ يُخْرِجُكُمْ طِفْلا ﴾ [غافر : ٦٧] اقتصر على الواحد لأن المراد بيان الجنس
جزء : ٤ رقم الصفحة : ١١٩