فهل سمعت قولهما؟ قال : لا.
فدعاهما فقال شمعون : من أرسلكما؟ قالا : الله الذي خلق كل شيء ورزق كل حي وليس له شريك.
فقال : صفاه وأوجزا.
قالا : يفعل ما يشاء ويحكم ما يريد.
قال : وما آيتكما؟ قالا : ما يتمنى الملك.
فدعا بغلام أكمه فدعوا الله فأبصر الغلام.
فقال له شمعون : أرأيت لو سألت إلهك حتى يصنع مثل هذا فيكون لك وله الشرف؟ قال الملك : ليس لي عنك سر إن إلهنا لا يسمع ولا يبصر ولا يضر ولا ينفع.
ثم قال : إن قدر إلهكما على إحياء ميت آمنا به، فدعوا بغلام مات من سبعة أيام فقام وقال : إني أدخلت في سبعة أودية من النار لما مت عليه من الشرك وأنا أحذركم ما أنتم فيه فآمنوا.
وقال : فتحت أبواب السماء فرأيت شاباً حسن الوجه يشفع لهؤلاء الثلاثة.
قال الملك : ومن هم؟ قال : شمعون وهذان، فتعجب الملك.
فلما رأى شمعون أن قوله قد أثر فيه نصحه فآمن وآمن قوم، ومن لم يؤمن صاح عليهم جبريل فهلكوا.
جزء : ٤ رقم الصفحة : ٧
﴿ فَكَذَّبُوهُمَا ﴾ فكذب أصحاب القرية الرسولين ﴿ فَعَزَّزْنَا ﴾ فقويناهما، ﴿ فَعَزَّزْنَا ﴾ أبو بكر من عزّه يعزّه إذا غلبه أي فغلبنا وقهرنا ﴿ بِثَالِثٍ ﴾ وهو شمعون وترك ذكر المفعول به لأن المراد ذكر المعزز به وهو شمعون وما لطف فيه من التدبير حتى عز الحق وذل الباطل، وإذا كان الكلام منصباً إلى غرض من الأغراض جعل سياقه له وتوجهه إليه كأن ما سواه مرفوض ﴿ فَقَالُوا إِنَّآ إِلَيْكُم مُّرْسَلُونَ ﴾ [يس : ١٤] أي قال الثلاثة لأهل القرية ﴿ قَالُوا ﴾ أي أصحاب القرية ﴿ مَآ أَنتُمْ إِلا بَشَرٌ مِّثْلُنَا ﴾ [يس : ١٥] رفع ﴿ بَشَرٌ ﴾ هنا ونصب في قوله ﴿ مَا هَذَا بَشَرًا ﴾ [يوسف : ٣١] (يوسف : ١٣) لانتقاض النفي بـ " إلا " فلم يبق لما شبه بليس وهو الموجب لعمله ﴿ وَمَآ أَنزَلَ الرَّحْمَـانُ مِن شَىْءٍ ﴾ [يس : ١٥] أي وحياً ﴿ إِنْ أَنتُمْ إِلا تَكْذِبُونَ ﴾ [يس : ١٥] ما أنتم إلا كذبة.
﴿ قَالُوا رَبُّنَا يَعْلَمُ إِنَّآ إِلَيْكُمْ لَمُرْسَلُونَ ﴾ [يس : ١٦] أكد الثاني باللام دون الأول لأن الأول ابتداء إخبار والثاني جواب عن إنكار فيحتاج إلى زيادة تأكيد.
و ﴿ رَبُّنَا يَعْلَمُ ﴾ [يس : ١٦] جارٍ مجرى القسم في التوحيد وكذلك قولهم " شهد الله " و " علم الله " ﴿ وَمَا عَلَيْنَآ إِلا الْبَلَـاغُ الْمُبِينُ ﴾ [يس : ١٧] أي التبليغ الظاهر المكشوف بالآية
الشاهدة بصحته ﴿ قَالُوا إِنَّا تَطَيَّرْنَا بِكُمْ ﴾ [يس : ١٨] تشاءمنا بكم وذلك أنهم كرهوا دينهم ونفرت منه نفوسهم، وعادة الجهال أن يتيمنوا بكل شيء مالوا إليه وقبلته طباعهم ويتشاءموا بما نفروا عنه وكرهوه، فإن أصابهم بلاء أو نعمة قالوا بشؤم هذا وبركة ذلك.
وقيل : حبس عنهم المطر فقالوا ذلك ﴿ لَـاـاِن لَّمْ تَنتَهُوا ﴾ [يس : ١٨] عن مقالتكم هذه ﴿ لَنَرْجُمَنَّكُمْ ﴾ لنقتلنكم أو لنطردنكم أو لنشتمنكم ﴿ وَلَيَمَسَّنَّكُم مِّنَّا عَذَابٌ أَلِيمٌ ﴾ [يس : ١٨] وليصيبنكم عذاب النار وهو أشد عذاب ﴿ قَالُوا طائركم ﴾ [يس : ١٩] أي سبب شؤمكم ﴿ مَّعَكُمْ ﴾ وهو الكفر ﴿ أَاـاِنَّ ﴾ بهمزة الاستفهام وحرف الشرط : كوفي وشامي ﴿ أئن ذُكِّرْتُم ﴾ [يس : ١٩] وعظتم ودعيتم إلى الإسلام، وجواب الشرط مضمر وتقديره " تطيرتم "، ﴿ أَيْنَ ﴾ بهمزة ممدودة بعدها ياء مكسورة : أبو عمرو، و ﴿ أَيْنَ ﴾ بهمزة مقصورة بعدها ياء مسكورة : مكي ونافع.
﴿ ذُكِّرْتُم ﴾ بالتخفيف : يزيد ﴿ بَلْ أَنتُمْ قَوْمٌ مُّسْرِفُونَ ﴾ [الأعراف : ٨١] مجاوزون الحد في العصيان فمن ثم أتاكم الشؤم من قبلكم لا من قبل رسل الله وتذكيرهم، أو بل أنتم مسرفون في ضلالكم وغيكم حيث تتشاءمون بمن يجب التبرك به من رسل الله.
جزء : ٤ رقم الصفحة : ٧
﴿ وَجَآءَ مِنْ أَقْصَا الْمَدِينَةِ رَجُلٌ يَسْعَى ﴾ هو حبيب النجار وكان في غار من الجبل يعبد الله فلما بلغه خبر الرسل أتاهم وأظهر دينه وقال : أتسألون على ما جئتم به أجراً؟ قالوا : لا ﴿ قَالَ يَـاقَوْمِ اتَّبِعُوا الْمُرْسَلِينَ ﴾ على تبليغ الرسالة ﴿ وَهُم مُّهْتَدُونَ ﴾ [الأنعام : ٨٢] أي الرسل : فقالوا : أو أنت على دين هؤلاء؟ فقال :
١٠
﴿ وَمَا لِىَ لا أَعْبُدُ الَّذِى فَطَرَنِى ﴾ خلقني ﴿ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ ﴾ [البقرة : ٢٤٥] وإليه مرجعكم، ﴿ وَمَا لِىَ ﴾ [يس : ٢٢] حمزة.


الصفحة التالية
Icon