هو على كلام الرسل وفيه تهكم كما قال فرعون :﴿ إِنَّ رَسُولَكُمُ الَّذِى أُرْسِلَ إِلَيْكُمْ لَمَجْنُونٌ ﴾ [الشعراء : ٢٧] (الشعراء : ٧٢) وقولهم :﴿ فَإِنَّا بِمَآ أُرْسِلْتُم بِهِ كَـافِرُونَ ﴾ [فصلت : ١٤].
خطاب منهم لهود وصالح ولسائر الأنبياء الذين دعوا إلى الإيمان بهم.
روي أن قريشاً بعثوا عتبة بن ربيعة ـ وكان أحسنهم حديثاً ـ ليكلم رسول الله صلى الله عليه وسلّم وينظر ما يريد، فأتاه وهو في الحطيم فلم يسأل شيئاً إلا أجابه ثم قرأ عليه السلام السورة إلى قوله ﴿ مِّثْلَ صَـاعِقَةِ عَادٍ وَثَمُودَ ﴾ [فصلت : ١٣] فناشده بالرحم وأمسك على فيه ووثب مخافة أن يصب عليهم العذاب فأخبرهم به وقال : لقد عرفت السحر والشعر فوالله ما هو بساحر ولا بشاعر فقالوا : لقد صبأت أما فهمت منه كلمة؟ فقال : لا ولم أهتد إلى جوابه.
فقال عثمان بن مظعون : ذلك والله لتعلموا أنه من رب العالمين.
جزء : ٤ رقم الصفحة : ١٣١
ثم بين ما ذكر من صاعقة عاد وثمود فقال ﴿ فَأَمَّا عَادٌ فَاسْتَكْبَرُوا فِى الارْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ ﴾ [فصلت : ١٥] أي تعظموا فيها على أهلها بما لا يستحقون به التعظيم وهو القوة وعظم الأجرام، أو استولوا على الأرض بغير استحقاق للولاية ﴿ وَقَالُوا مَنْ أَشَدُّ مِنَّا قُوَّةً ﴾ [فصلت : ١٥] كانوا ذوي أجسام طوال وخلق عظيم، وبلغ قوتهم أن الرجل كان يقتلع الصخرة من الجبل بيده ﴿ أَوَلَمْ يَرَوْا ﴾ [الإسراء : ٩٩] أولم يعلموا علماً يقوم مقام العيان ﴿ أَنَّ اللَّهَ الَّذِى خَلَقَهُمْ هُوَ أَشَدُّ مِنْهُمْ قُوَّةً ﴾ [فصلت : ١٥] أوسع منهم قدرة لأنه قادر على كل شيء وهم قادرون على بعض الأشياء بإقداره ﴿ وَكَانُوا بِـاَايَـاتِنَا يَجْحَدُونَ ﴾ [فصلت : ١٥] معطوف على ﴿ فَاسْتَكْبَرُوا ﴾ أي كانوا يعرفون أنها حق ولكنهم جحدوها كما يجحد المودع الوديعة ﴿ فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِيحًا صَرْصَرًا ﴾ [فصلت : ١٦] عاصفة تصرصر أي تصوت في هبوبها من الصرير، أو باردة تحرق بشدة بردها تكرير لبناء الصر وهو البرد قيل إنها الدبور
١٣٣
﴿ فِى أَيَّامٍ نَّحِسَاتٍ ﴾ [فصلت : ١٦] مشئؤومات عليهم.
﴿ نَّحِسَاتٍ ﴾ مكي وبصري ونافع.
ونحس نحساً نقيض سعد سعداً وهو نحس، وأما نحس فإما مخفف نحس أو صفة على فعل أو وصف بمصدر وكانت من الأربعاء في آخر شوال إلى الأربعاء، وما عذب قوم إلا في الأربعاء.
﴿ لِّنُذِيقَهُمْ عَذَابَ الْخِزْىِ فِى الْحَيَواةِ الدُّنْيَا ﴾ [فصلت : ١٦] أضاف العذاب إلى الخزي وهو الذل على أنه وصف للعذاب كأنه قال عذاب خزي كما تقول فعل السوء تريد الفعل السيء، ويدل عليه قوله ﴿ وَلَعَذَابُ الاخِرَةِ أَخْزَى ﴾ [فصلت : ١٦] وهو من الإسناد المجازي، ووصف العذاب بالخزي أبلغ من وصفهم به فشتان ما بين قوليك " هو شاعر " و " له شعر شاعر ".
﴿ وَهُمْ لا يُنصَرُونَ ﴾ [فصلت : ١٦] من الأصنام التي عبدوها على رجاء النصر لهم.
جزء : ٤ رقم الصفحة : ١٣١
﴿ وَأَمَّا ثَمُودُ ﴾ [فصلت : ١٧] بالرفع على الابتداء وهو الفصيح لوقوعه بعد حرف الابتداء والخبر ﴿ فَهَدَيْنَـاهُمْ ﴾ وبالنصب المفضّل بإضمار فعل يفسره ﴿ فَهَدَيْنَـاهُمْ ﴾ أي بينا لهم الرشد ﴿ فَاسْتَحَبُّوا الْعَمَى عَلَى الْهُدَى ﴾ [فصلت : ١٧] فاختاروا الكفر على الإيمان ﴿ فَأَخَذَتْهُمْ صَـاعِقَةُ الْعَذَابِ ﴾ [فصلت : ١٧] داهية العذاب ﴿ الْهُونِ ﴾ الهوان وصف به العذاب مبالغة أو أبدله منه
جزء : ٤ رقم الصفحة : ١٣٤


الصفحة التالية
Icon