﴿ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ ﴾ بكسبهم وهو شركهم ومعاصيهم، وقال الشيخ أبو منصور : يحتمل ما ذكر من الهداية التبيين كما بينا، ويحتمل خلق الاهتداء فيهم فصاروا مهتدين ثم كفروا بعد ذلك وعقروا الناقة، لأن الهدى المضاف إلى الخالق يكون بمعنى البيان والتوفيق وخلق فعل الاهتداء، فأما الهدى المضاف إلى الخلق يكون بمعنى البيان لا غير.
وقال صاحب الكشاف فيه : فإن قلت : أليس معنى قولك هديته جعلت فيه الهدى والدليل عليه قولك هديته فاهتدى بمعنى تحصيل البغية وحصولها كما تقول : ردعته فارتدع، فكيف ساغ استعماله في الدلالة المجردة؟ قلت : للدلالة على أنه مكنهم فأزاح عللهم ولم يبق لهم عذر فكأنه حصل البغية فيهم بتحصيل ما يوجبها ويقتضيها وإنما تمحل بهذا لأنه لا يتمكن من أن يفسره بخلق الاهتداء لأنه يخالف مذهبه الفاسد ﴿ وَنَجَّيْنَا الَّذِينَ ءَامَنُوا ﴾ [فصلت : ١٨] أي اختاروا الهدى على العمى من تلك الصاعقة ﴿ وَكَانُوا يَتَّقُونَ ﴾ [يونس : ٦٣] اختيار العمى على الهدى.
١٣٤
﴿ وَيَوْمَ يُحْشَرُ أَعْدَآءُ اللَّهِ إِلَى النَّارِ ﴾ [فصلت : ١٩] أي الكفار من الأولين والآخرين.
﴿ يَوْمَ نَحْشُرُ الْمُتَّقِينَ إِلَى الرَّحْمَـانِ وَفْدًا ﴾ نافع ويعقوب ﴿ فَهُمْ يُوزَعُونَ ﴾ [النمل : ١٧] يحبس أولهم على آخرهم أي يستوقف سوابهم حتى يلحق بهم تواليهم، وهي عبارة عن كثرة أهل النار وأصله من وزعته أي كففته ﴿ حَتَّى إِذَا مَا جَآءُوهَا ﴾ [فصلت : ٢٠] صاروا بحضرتها و " ما " مزيدة للتأكيد ومعنى التأكيد أن وقت مجيئهم النار لا محالة أن يكون وقت الشهادة عليهم ولا وجه لأن يخلو منها ﴿ شَهِدَ عَلَيْهِمْ سَمْعُهُمْ وَأَبْصَـارُهُمْ وَجُلُودُهُم بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ ﴾ [فصلت : ٢٠] شهادة الجلود بملامسة الحرام وقيل : وهي كناية عن الفروج ﴿ وَقَالُوا لِجُلُودِهِمْ لِمَ شَهِدتُّمْ عَلَيْنَا ﴾ [فصلت : ٢١] لما تعاظمهم من شهادتها عليهم ﴿ قَالُوا أَنطَقَنَا اللَّهُ الَّذِى أَنطَقَ كُلَّ شَىْءٍ ﴾ [فصلت : ٢١] من الحيوان والمعنى أن نطقنا ليس بعجب من قدرة الله الذي قدر على إنطاق كل حيوان ﴿ وَهُوَ خَلَقَكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ ﴾ [فصلت : ٢١] وهو قادر على إنشائكم أول مرة وعلى إعادتكم ورجوعكم إلى جزائه ﴿ وَمَا كُنتُمْ تَسْتَتِرُونَ أَن يَشْهَدَ عَلَيْكُمْ سَمْعُكُمْ وَلا أَبْصَـارُكُمْ وَلا جُلُودُكُمْ ﴾ [فصلت : ٢٢] أي أنكم كنتم تستترون بالحيطان والحجب عند ارتكاب الفواحش، وما كان استتاركم ذلك خيفة أن يشهد عليكم جوارحكم لأنكم كنتم غير عالمين بشهادتها عليكم بل كنتم جاحدين بالبعث والجزاء أصلاً ﴿ وَلَـاكِن ظَنَنتُمْ أَنَّ اللَّهَ لا يَعْلَمُ كَثِيرًا مِّمَّا تَعْمَلُونَ ﴾ [فصلت : ٢٢] ولكنكم إنما استترتم لظنكم أن الله لا يعلم كثيراً مما كنتم تعملون وهو الخفيات من أعمالكم.
جزء : ٤ رقم الصفحة : ١٣٤
﴿ وَذَالِكُمْ ظَنُّكُمُ الَّذِى ظَنَنتُم بِرَبِّكُمْ أَرْدَاـاكُمْ ﴾ [فصلت : ٢٣] وذلك الظن هو الذي
١٣٥


الصفحة التالية
Icon