زهدوا في الفانية ورغبوا في الباقية.
وقيل : حقيقة الاستقامة القرار بعد الإقرار لا الفرار بعد الإقرار ﴿ تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلَـائكَةُ ﴾ [فصلت : ٣٠] عند الموت ﴿ إِلا ﴾ بمعنى " أي " أو مخففة من الثقيلة وأصله بأنه ﴿ تَخَافُوا ﴾ والهاء ضمير الشأن أي لا تخافوا ما تقدمون عليه ﴿ وَلا تَحْزَنُوا ﴾ [فصلت : ٣٠] على ما خلفتهم فالخوف غم يلحق الإنسان لتوقع المكروه، والحزن غم يلحق لوقوعه من فوات نافع أو حصول ضار والمعنى أن الله كتب لكم الأمن من كل غم فلن تذوقوه ﴿ وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِى كُنتُمْ تُوعَدُونَ ﴾ [فصلت : ٣٠] في الدنيا، وقال محمد بن علي الترمذي : تتنزل عليهم ملائكة الرحمن عند مفارقة الأرواح الأبدان أن لا تخافوا سلب الإيمان، ولا تحزنوا على ما كان من العصيان، وأبشروا بدخول الجنان التي كنتم توعدون في سالف الزمان ﴿ نَحْنُ أَوْلِيَآؤُكُمْ فِى الْحَيَواةِ الدُّنْيَا وَفِى الاخِرَةِ ﴾ [فصلت : ٣١] كما أن الشياطين قرناء العصاة وإخوانهم فكذلك الملائكة أولياء المتقين وأحباؤهم في الدارين ﴿ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَشْتَهِى أَنفُسُكُمْ ﴾ [فصلت : ٣١] من النعيم ﴿ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَدَّعُونَ ﴾ [فصلت : ٣١] تتمنون ﴿ نُزُلا ﴾ هو رزق نزيل وهو الضيف وانتصابه على الحال من الهاء المحذوفة أو من " ما " ﴿ مِّنْ غَفُورٍ رَّحِيمٍ ﴾ [فصلت : ٣٢] نعت له.
جزء : ٤ رقم الصفحة : ١٣٤
جزء : ٤ رقم الصفحة : ١٣٨
﴿ وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلا مِّمَّن دَعَآ إِلَى اللَّهِ ﴾ [فصلت : ٣٣] إلى عبادته هو رسول الله دعا إلى التوحيد ﴿ وَعَمِلَ صَـالِحًا ﴾ [طه : ٨٢] خالصاً ﴿ وَقَالَ إِنَّنِى مِنَ الْمُسْلِمِينَ ﴾ [فصلت : ٣٣] تفاخراً بالإسلام ومعتقداً له، أو أصحابه عليه السلام، أو المؤذنون، أو جميع الهداة والدعاة إلى الله.
١٣٨
﴿ وَلا تَسْتَوِى الْحَسَنَةُ وَلا السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِى هِىَ أَحْسَنُ ﴾ [فصلت : ٣٤] يعني أن الحسنة والسيئة متفاوتتان في أنفسهما فخذ بالحسنة التي هي أحسن من أختها إذا اعترضتك حسنتان فادفع بها السيئة التي ترد عليك من بعض أعدائك كما لو أساء إليك رجل إساءة، فالحسنة أن تعفو عنه، والتي هي أحسن أن تحسن إليه مكان إساءته إليك مثل أن يذمك فتمدحه أو يقتل ولدك فتفتدي ولده من يد عدوه ﴿ فَإِذَا الَّذِى بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِىٌّ حَمِيمٌ ﴾ [فصلت : ٣٤] فإنك إذا فعلت ذلك انقلب عدوك المشاق مثل الولي الحميم مصافاة لك.
ثم قال ﴿ وَمَا يُلَقَّـاـاهَآ ﴾ [فصلت : ٣٥] أي وما يلقي هذه الخصلة التي هي مقابلة الإساءة بالإحسان ﴿ إِلا الَّذِينَ صَبَرُوا ﴾ [هود : ١١] إلا أهل الصبر ﴿ وَمَا يُلَقَّـاـاهَآ إِلا ذُو حَظِّ عَظِيمٍ ﴾ [فصلت : ٣٥] إلا رجل خير وفق لحظ عظيم من الخير.
وإنما لم يقل " فادفع بالتي هي أحسن " لأنه على تقدير قائل قال : فكيف أصنع؟ فقيل :﴿ ادْفَعْ بِالَّتِى هِىَ أَحْسَنُ ﴾ [المؤمنون : ٩٦] وقيل :" لا " مزيدة للتأكيد والمعنى : لا تستوي الحسنة والسيئة، وكان القياس على هذا التفسير أن يقال : ادفع بالتي هي حسنة، ولكن وضع ﴿ الَّتِى هِىَ أَحْسَنُ ﴾ [الإسراء : ٥٣] موضع " الحسنة " ليكون أبلغ في الدفع بالحسنة، لأن من دفع بالحسنى هان عليه الدفع بما دونها، وعن ابن عباس رضي الله عنهما : بالتي هي أحسن : الصبر عند الغضب والحلم عند الجهل والعفو عند الإساءة وفسر الحظ بالثواب، وعن الحسن : والله ما عظم حظ دون الجنة، وقيل : نزلت في أبي سفيان بن حرب وكان عدواً مؤذياً للنبي صلى الله عليه وسلّم فصار ولياً مصافياً ﴿ وَإِمَّا يَنزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطَـانِ نَزْغٌ ﴾ [الأعراف : ٢٠٠] النزغ شبه النخس والشيطان ينزغ الإنسان كأنه ينخسه يبعثه على ما لا ينبغي، وجعل النزغ نازغاً كما قيل جد جده، أو أريد وإما ينزغنك نازغ وصفاً للشيطان بالمصدر أو لتسويله، والمعنى وإن صرفك الشيطان عما وصيت به من الدفع بالتي هي أحسن ﴿ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ ﴾ [الأعراف : ٢٠٠] من شره وامض على حلمك ولا تطعه ﴿ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ ﴾ [الإسراء : ١] لاستعاذتك ﴿ الْعَلِيمِ ﴾ بنزغ الشيطان.
جزء : ٤ رقم الصفحة : ١٣٨
﴿ وَمِنْ ءَايَـاتِهِ ﴾ [الروم : ٢٥] الدالة على وحدانيته ﴿ وَسَخَّرَ لَكُمُ ﴾ [إبراهيم : ٣٣] في تعاقبهما على


الصفحة التالية
Icon