﴿ شَرَعَ ﴾ بين وأظهر ﴿ لَكُم مِّنَ الدِّينِ مَا وَصَّى بِهِ نُوحًا وَالَّذِى أَوْحَيْنَآ إِلَيْكَ وَمَا وَصَّيْنَا بِهِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى ﴾ [الشورى : ١٣] أي شرع لكم من الدين دين نوح ومحمد ومن بينهما من الأنبياء عليهم السلام، ثم فسر المشروع الذي اشترك هؤلاء الأعلام من رسله فيه بقوله ﴿ أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ ﴾ [الشورى : ١٣] والمراد إقامة دين الإسلام الذي هو توحيد الله وطاعته والإيمان برسله وكتبه وبيوم الجزاء وسائر ما يكون المرء بإقامته مسلماً، ولم يرد به الشرائع فإنها مختلفة قال الله تعالى :﴿ لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجًا ﴾ [المائدة : ٤٨] (المائدة : ٨٤).
ومحل ﴿ أَنْ أَقِيمُوا ﴾ [الشورى : ١٣] نصب بدل من مفعول ﴿ شَرَعَ ﴾ والمعطوفين عليه، أو رفع على الاستئناف كأنه قيل وما ذلك المشروع؟ فقيل : هو إقامة الدين ﴿ لِّلْعَـالَمِينَ * فِيهِ ﴾ ولا تختلفوا في الدين قال علي رضي الله عنه : لا تتفرقوا فالجماعة رحمة والفرقة عذاب.
﴿ كَبُرَ عَلَى الْمُشْرِكِينَ ﴾ [الشورى : ١٣] عظم عليهم وشق عليهم ﴿ مَا تَدْعُوهُمْ إِلَيْهِ ﴾ [الشورى : ١٣] من إقامة دين الله والتوحيد ﴿ اللَّهُ يَجْتَبِى ﴾ [آل عمران : ١٧٩] يجتلب ويجمع ﴿ إِلَيْهِ ﴾ إلى الدين بالتوفيق والتسديد ﴿ مَن يَشَآءُ وَيَهْدِى إِلَيْهِ مَن يُنِيبُ ﴾ [الشورى : ١٣] يقبل على طاعته ﴿ وَمَا تَفَرَّقُوا ﴾ [الشورى : ١٤] أي أهل الكتاب بعد أنبيائهم ﴿ إِلا مِن بَعْدِ مَا جَآءَهُمُ الْعِلْمُ ﴾ [آل عمران : ١٩] إلا من بعد أن علموا أن الفرقة ضلال وأمر متوعد عليه على ألسنة الأنبياء عليهم السلام
جزء : ٤ رقم الصفحة : ١٤٩
﴿ بَغْيَا بَيْنَهُمْ ﴾ [الجاثية : ١٧] حسداً وطلباً للرياسة والاستطالة بغير حق ﴿ وَلَوْلا كَلِمَةٌ سَبَقَتْ مِن رَّبِّكَ إِلَى أَجَلٍ مُّسَمًّى ﴾ [الشورى : ١٤] وهي بل الساعة موعدهم ﴿ لَّقُضِىَ بَيْنَهُمْ ﴾ [يونس : ١٩] لأهلكوا حين افترقوا لعظم ما اقترفوا ﴿ وَإِنَّ الَّذِينَ أُورِثُوا الْكِتَـابَ مِن بَعْدِهِمْ ﴾ [الشورى : ١٤] هم أهل الكتاب الذين كانوا في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلّم ﴿ لَفِى شَكٍّ مِّنْهُ ﴾ [النساء : ١٥٧] من كتابهم لا يؤمنون به حق الإيمان ﴿ مُرِيبٍ ﴾ مدخل في الريبة.
وقيل : وما تفرق أهل الكتاب إلا من بعد ما جاءهم العلم بمبعث رسول الله صلى الله عليه وسلّم كقوله تعالى :
١٥٠
﴿ وَمَا تَفَرَّقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَـابَ إِلا مِن بَعْدِ مَا جَآءَتْهُمُ الْبَيِّنَةُ ﴾ [البينة : ٤]، ﴿ وَإِنَّ الَّذِينَ أُورِثُوا الْكِتَـابَ مِن بَعْدِهِمْ ﴾ [الشورى : ١٤] (الشورى : ٤١).
هم المشركون أورثوا القرآن من بعد ما أورث أهل الكتاب التوراة والإنجيل.
جزء : ٤ رقم الصفحة : ١٤٩


الصفحة التالية
Icon