﴿ فَلِذَالِكَ ﴾ فلأجل ذلك التفرق ولما حدث بسببه من تشعب الكفر شعباً ﴿ فَادْعُ ﴾ إلى الاتفاق والائتلاف على الملة الحنيفية القوية ﴿ وَاسْتَقِمْ ﴾ عليها وعلى الدعوة إليها ﴿ كَمَآ أُمِرْتَ ﴾ [الشورى : ١٥] كما أمرك الله ﴿ وَلا تَتَّبِعْ أَهْوَآءَهُمْ ﴾ [المائدة : ٤٨] المختلفة الباطلة ﴿ وَقُلْ ءَامَنتُ بِمَآ أَنزَلَ اللَّهُ مِن كِتَـابٍ ﴾ [الشورى : ١٥] بأي كتاب صح أن الله تعالى أنزله يعني الإيمان بجميع الكتب المنزلة لأن المتفرقين آمنوا ببعض وكفروا ببعض كقوله :﴿ وَيَقُولُونَ نُؤْمِنُ بِبَعْضٍ وَنَكْفُرُ بِبَعْضٍ ﴾ [النساء : ١٥٠] إلى قوله ﴿ أؤلئك هُمُ الْكَـافِرُونَ حَقًّا ﴾ [النساء : ١٥١] (النساء : ١٥١) ﴿ وَأُمِرْتُ لاعْدِلَ بَيْنَكُمُ ﴾ [الشورى : ١٥] في الحكم إذا تخاصمتم فتحاكمتم إليّ ﴿ اللَّهُ رَبُّنَا وَرَبُّكُمْ ﴾ [الشورى : ١٥] أي كلنا عبيده ﴿ لَنَآ أَعْمَـالُنَا وَلَكُمْ أَعْمَـالُكُمْ ﴾ [القصص : ٥٥] هو كقوله ﴿ لَكُمْ دِينُكُمْ وَلِىَ دِينِ ﴾ [الكافرون : ٦] (الكافرون : ٦) ويجوز أن يكون معناه إنا لا نؤاخذ بأعمالكم وأنتم لا تؤاخذون بأعمالنا ﴿ لا حُجَّةَ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمُ ﴾ [الشورى : ١٥] أي لا خصومة لأن الحق قد ظهر وصرتم محجوبين به فلا حاجة إلى المحاجة، ومعناه لا إيراد حجة بيننا لأن المتحاجين يورد هذا حجته وهذا حجته ﴿ اللَّهُ يَجْمَعُ بَيْنَنَا ﴾ [الشورى : ١٥] يوم القيامة ﴿ وَإِلَيْهِ الْمَصِيرُ ﴾ [المائدة : ١٨] المرجع لفصل القضاء فيفصل بيننا وينتقم لنا منكم ﴿ وَالَّذِينَ يُحَآجُّونَ فِى اللَّهِ ﴾ [الشورى : ١٦] يخاصمون في دينه ﴿ مِن بَعْدِ مَا اسَتُجِيبَ لَهُ ﴾ [الشورى : ١٦] من بعد ما استجاب له الناس ودخلوا في الإسلام ليردوهم إلى دين الجاهلية كقوله :﴿ وَدَّ كَثِيرٌ مِّنْ أَهْلِ الْكِتَـابِ لَوْ يَرُدُّونَكُم مِّن بَعْدِ إِيمَـانِكُمْ كُفَّارًا ﴾ [البقرة : ١٠٩] (البقرة : ٩٠١).
كان اليهود والنصارى يقولون للمؤمنين : كتابنا قبل كتابكم ونبينا قبل نبيكم فنحن خير منكم وأولى بالحق.
وقيل : من بعد ما استجيب لمحمد عليه السلام دعاؤه على المشركين يوم بدر
١٥١
﴿ حُجَّتُهُمْ دَاحِضَةٌ ﴾ [الشورى : ١٦] باطلة وسماها حجة وإن كانت شبهة لزعمهم أنها حجة ﴿ عِندَ رَبِّهِمْ وَعَلَيْهِمْ غَضَبٌ ﴾ [الشورى : ١٦] بكفرهم ﴿ وَلَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ ﴾ [الشورى : ١٦] في الآخرة.
جزء : ٤ رقم الصفحة : ١٤٩
﴿ اللَّهُ الَّذِى أَنزَلَ الْكِتَـابَ ﴾ [الشورى : ١٧] أي جنس الكتاب ﴿ بِالْحَقِّ ﴾ بالصدق أو ملتبساً به ﴿ وَالْمِيزَانَ ﴾ والعدل والتسوية.
ومعنى إنزال العدل أنه أنزله في كتبه المنزلة.
وقيل : هو عين الميزان أنزله في زمن نوح عليه السلام ﴿ وَمَا يُدْرِيكَ لَعَلَّ السَّاعَةَ قَرِيبٌ ﴾ [الشورى : ١٧] أي لعل الساعة قريب منك وأنت لا تدري والمراد مجيء الساعة، أوالساعة في تأويل البعث.
ووجه مناسبة اقتراب الساعة مع إنزال الكتب والميزان أن الساعة يوم الحساب ووضع الموازين بالقسط فكأنه قيل : أمركم الله بالعدل والتسوية والعمل بالشرائع فاعملوا بالكتاب والعدل قبل أن يفاجئكم يوم حسابكم ووزن أعمالكم.
﴿ يَسْتَعْجِلُ بِهَا الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِهَا ﴾ [الشورى : ١٨] استهزاء ﴿ وَالَّذِينَ ءَامَنُوا مُشْفِقُونَ ﴾ [الشورى : ١٨] خائفون ﴿ مِنْهَا ﴾ وجلون لهولها ﴿ وَيَعْلَمُونَ أَنَّهَا الْحَقُّ ﴾ [الشورى : ١٨] الكائن لا محالة ﴿ أَلا إِنَّ الَّذِينَ يُمَارُونَ فِى السَّاعَةِ ﴾ [الشورى : ١٨] المماراة الملاحّة لأن كل واحد منهما يمري ما عند صاحبه ﴿ لَفِى ضَلَـال بَعِيدٍ ﴾ [الشورى : ١٨] عن الحق لأن قيام الساعة غير مستبعد من قدرة الله تعالى، وقد دل الكتاب والسنة على وقوعها، والعقول تشهد على أنه لا بد من دار جزاء.
جزء : ٤ رقم الصفحة : ١٤٩
﴿ اللَّهُ لَطِيفُ بِعِبَادِهِ ﴾ [الشورى : ١٩] في إيصال المنافع وصرف البلاء من وجه يلطف إدراكه وهو بر بليغ البر بهم قد توصل بره إلى جميعهم.
وقيل : هو من لطف بالغوامض علمه وعظم عن الجرائم حلمه، أو من ينشر المناقب ويستر المثالب، أو يعفو عمن يهفو، أو يعطي العبد فوق الكفاية ويكلفه الطاعة دون الطاقة.
وعن الجنيد : لطف بأوليائه فعرفوه ولو لطف بأعدائه ما جحدوه ﴿ يَرْزُقُ مَن يَشَآءُ ﴾ [البقرة : ٢١٢] أي
١٥٢