يوسع رزق من يشاء إذا علم مصلحته فيه، في الحديث " إن من عبادي المؤمنين من لا يصلح إيمانه إلا الغني ولو أفقرته لأفسده ذلك، وإن من عبادي المؤمنين من لا يصلح إيمانه إلا الفقر ولو أغنيته لأفسده ذلك " ﴿ وَهُوَ الْقَوِىُّ ﴾ [الشورى : ١٩] الباهر القدرة الغالب على كل شيء ﴿ الْعَزِيزُ ﴾ المنيع الذي لا يغلب.
﴿ مَن كَانَ يُرِيدُ حَرْثَ الاخِرَةِ ﴾ [الشورى : ٢٠] سمى ما يعمله العامل مما يبتغي به الفائدة حرثاً مجازاً ﴿ نَزِدْ لَهُ فِى حَرْثِهِ ﴾ [الشورى : ٢٠] بالتوفيق في عمله أو التضعيف في إحسانه أو بأن ينال به الدنيا والآخرة ﴿ وَمَن كَانَ يُرِيدُ حَرْثَ الدُّنْيَا ﴾ [الشورى : ٢٠] أي من كان عمله للدنيا ولم يؤمن بالآخرة ﴿ نُؤْتِهِ مِنْهَا ﴾ [آل عمران : ١٤٥] أي شيئاً منها لأن " من " للتبعيض وهو رزقه الذي قسم له لا ما يريده ويبتغيه ﴿ لَهُ فِى الاخِرَةِ مِن نَّصِيبٍ ﴾ وماله نصيب قط في الآخرة وله في الدينا نصيب، ولم يذكر في عامل الآخرة أن رزقه المقسوم يصل إليه للاستهانة بذلك إلى جنب ما هو بصدده من زكاء عمله وفوزه في الماب ﴿ أَمْ لَهُمْ ﴾ قيل : هي " أم " المنقطعة وتقديره بل ألهم شركاء.
وقيل : هي المعادلة لألف الاستفهام.
وفي الكلام إضمار تقديره أيقبلون ما شرع الله من الدين أم لهم آلهة ﴿ شَرَعُوا لَهُم مِّنَ الدِّينِ مَا لَمْ يَأْذَن بِهِ اللَّهُ ﴾ أي لم يأمر به؟ ﴿ اللَّهُ وَلَوْلا كَلِمَةُ الْفَصْلِ ﴾ [الشورى : ٢١] أي القضاء السابق بتأجيل الجزاء أي ولولا العدة بأن الفصل يكون يوم القيامة ﴿ لَّقُضِىَ بَيْنَهُمْ ﴾ [يونس : ١٩] بين الكافرين والمؤمنين أو لعجلت لهم العقوبة ﴿ وَإِنَّ الظَّـالِمِينَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ ﴾ [الشورى : ٢١] وإن المشركين لهم عذاب أليم في الآخرة وإن أخر عنهم في دار الدنيا ﴿ تَرَى الظَّـالِمِينَ ﴾ [الشورى : ٢٢] المشركين في الآخرة ﴿ مُشْفِقِينَ ﴾ خائفين
١٥٣
﴿ مِمَّا كَسَبُوا ﴾ [إبراهيم : ١٨] من جزاء كفرهم ﴿ وَهُوَ وَاقِعُ بِهِمْ ﴾ [الشورى : ٢٢] نازل بهم لا محالة أشفقوا أو لم يشفقوا ﴿ وَالَّذِينَ ءَامَنُوا وَعَمِلُوا الصَّـالِحَـاتِ فِى رَوْضَاتِ الْجَنَّاتِ ﴾ [الشورى : ٢٢] كأن روضة جنة المؤمن أطيب بقعة فيها وأنزهها ﴿ لَهُم مَّا يَشَآءُونَ عِندَ رَبِّهِمْ ﴾ [الزمر : ٣٤] عند نصب بالظرف لا بيشاؤون ﴿ ذَالِكَ هُوَ الْفَضْلُ الْكَبِيرُ ﴾ [فاطر : ٣٢] على العمل القليل.
جزء : ٤ رقم الصفحة : ١٤٩
﴿ ذَالِكَ ﴾ أي الفضل الكبير ﴿ الَّذِى يُبَشِّرُ اللَّهُ ﴾ [الشورى : ٢٣] ﴿ يُبَشِّرُ ﴾ مكي وأبو عمرو وحمزة وعلي ﴿ عِبَادَهُ الَّذِينَ ءَامَنُوا وَعَمِلُوا الصَّـالِحَـاتِ ﴾ [الشورى : ٢٣] أي به عباده الذين آمنوا فحذف الجار كقوله ﴿ وَاخْتَارَ مُوسَى قَوْمَهُ ﴾ [الأعراف : ١٥٥] (الأعراف : ٥٥١) ثم حذف الراجع إلى الموصول كقوله ﴿ أَهَـاذَا الَّذِى بَعَثَ اللَّهُ رَسُولا ﴾ [الفرقان : ٤١] (الفرقان : ١٤).
ولما قال المشركون : أيبتغي محمد على تبليغ الرسالة أجراً نزل ﴿ قُل لا أَسْـاَلُكُمْ عَلَيْهِ ﴾ [الشورى : ٢٣] على التبليغ
جزء : ٤ رقم الصفحة : ١٥٤
﴿ أَجْرًا إِلا الْمَوَدَّةَ فِى الْقُرْبَى ﴾ [الشورى : ٢٣] يجوز أن يكون استثناء متصلاً أي لا أسألكم عليه أجراً إلا هذا وهو أن تودوا أهل قرابتي، ويجوز أن يكون منقطعاً أي لا أسألكم عليه أجراً قط ولكني أسألكم أن تودوا قرابتي الذين هم قرابتكم ولا تؤذوهم.
ولم يقل إلا مودة القربى أو المودة للقربى لأنهم جعلوا مكاناً للمودة ومقراً لها كقولك " لي في آل فلان مودة ولي فيهم حب شديد " تريد أحبهم وهم مكان حبي ومحله.
وليست " في " بصلة لـ ﴿ الْمَوَدَّةَ ﴾ كاللام إذا قلت إلا المودة للقربى، إنما هي متعلقة بمحذوف تعلق الظرف به في قولك " المال في الكيس " وتقديره إلا المودة ثابتة في القربى ومتمكنة فيها.
والقربى مصدر كالزلفى والبشرى بمعنى القرابة، والمراد في أهل القربى.
وروي أنه لما نزلت قيل : يا رسول الله من قرابتك هؤلاء الذين وجبت علينا مودتهم؟ قال : علي وفاطمة وابناهما.
وقيل : معناه إلا أن تودوني لقرابتي فيكم ولا تؤذوني ولا تهيجوا علي إذ لم يكن من بطون قريش إلا بين رسول الله وبينهم قرابة.
وقيل : القربى التقرب إلى الله تعالى أي إلا أن تحبوا
١٥٤