﴿ وَلَوْ بَسَطَ اللَّهُ الرِّزْقَ لِعِبَادِهِ ﴾ [الشورى : ٢٧] أي لو أغناهم جميعاً ﴿ لَبَغَوْا فِى الارْضِ ﴾ [الشورى : ٢٧] من البغي وهو الظلم أي لبغي هذا على ذاك وذاك على هذا لأن الغني مبطرة مأشرة، وكفى بحال قارون وفرعون عبرة أو من البغي وهو الكبر أي لتكبّروا في الأرض ﴿ وَلَـاكِن يُنَزِّلُ ﴾ [الشورى : ٢٧] بالتخفيف : مكي وأبو عمرو ﴿ بِقَدَرٍ مَّا يَشَآءُ ﴾ [الشورى : ٢٧] بتقدير يقال قدره قدراً
١٥٦
وقدراً ﴿ إِنَّهُ بِعِبَادِهِ خَبِيرُ بَصِيرٌ ﴾ [الشورى : ٢٧] يعلم أحوالهم فيقدر لهم ما تقتضيه حكمته فيفقر ويغني ويمنع ويعطي ويقبض ويبسط، ولو أغناهم جميعاً لبغوا ولو أفقرهم لهلكوا، وما ترى من البسط على من يبغي ومن البغي بدون البسط فهو قليل، ولا شك أن البغي مع الفقر أقل ومع البسط أكثر وأغلب.
﴿ وَهُوَ الَّذِى يُنَزِّلُ الْغَيْثَ ﴾ [الشورى : ٢٨] بالتشديد : مدني وشامي وعاصم ﴿ مِن بَعْدِ مَا قَنَطُوا ﴾ [الشورى : ٢٨] وقرىء ﴿ قَنَطُوا ﴾ ﴿ وَيَنشُرُ رَحْمَتَهُ ﴾ [الشورى : ٢٨] أي بركات الغيث ومنافعه وما يحصل به من الخصب.
وقيل لعمر رضي الله عنه : اشتد القحط وقنط الناس.
فقال : مطروا إذا أراد هذه الآية.
أو أراد رحمته في كل شيء ﴿ وَهُوَ الْوَلِىُّ ﴾ [الشورى : ٢٨] الذي يتولى عباده بإحسانه ﴿ الْحَمِيدُ ﴾ المحمود على ذلك يحمده أهل طاعته ﴿ وَمِنْ ءَايَـاتِهِ ﴾ [الروم : ٢٥] أي علامات قدرته ﴿ خَلْقُ السَّمَـاوَاتِ وَالارْضِ ﴾ [إبراهيم : ١٩] مع عظمهما ﴿ وَمَا بَثَّ ﴾ [الشورى : ٢٩] فرق ﴿ وَمَا ﴾ يجوز أن يكون مرفوعاً ومجروراً حملاً على المضاف أو المضاف إليه ﴿ فِيهِمَا ﴾ من السماوات والأرض ﴿ مِن دَآبَّةٍ ﴾ [الجاثية : ٤] الدواب تكون في الأرض وحدها لكن يجوز أن ينسب الشيء إلى جميع المذكور وإن كان ملتبساً ببعضه كما يقال : بنو تميم فيهم شاعر مجيد وإنما هو في فخذ من أفخاذهم ومنه قوله تعالى :﴿ يَخْرُجُ مِنْهُمَا اللُّؤْلُؤُ وَالْمَرْجَانُ ﴾ [الرحمن : ٢٢] (الرحمن : ٢٢) وإنما يخرج من الملح، ولا يبعد أن يخلق في السماوات حيوانات يمشون فيها مشي الأناسي على الأرض، أو يكون للملائكة مشي مع الطيران فوصفوا بالدبيب كما وصف به الأناسي ﴿ وَهُوَ عَلَى جَمْعِهِمْ ﴾ [الشورى : ٢٩] يوم القيامة ﴿ إِذَا يَشَآءُ قَدِيرٌ ﴾ [الشورى : ٢٩] " إذا " تدخل على المضارع كما تدخل على الماضي، قال الله تعالى :﴿ وَالَّيْلِ إِذَا يَغْشَى ﴾ [الليل : ١] (الليل : ١).
جزء : ٤ رقم الصفحة : ١٥٤
﴿ وَمَآ أَصَـابَكُم مِّن مُّصِيبَةٍ ﴾ [الشورى : ٣٠] غم وألم ومكروه ﴿ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ ﴾ [الشورى : ٣٠] أي بجناية كسبتموها عقوبة عليكم.
﴿ بِمَا كَسَبَتْ ﴾ [الروم : ٤١] بغير الفاء : مدني وشامي على أن " ما " مبتدأ و
١٥٧
﴿ بِمَا كَسَبَتْ ﴾ [الروم : ٤١] خبره من غير تضمين معنى الشرط، ومن أثبت الفاء فعلى تضمين معنى الشرط.
وتعلق بهذه الآية من يقول بالتناسخ وقال لو لم يكن للأطفال حالة كانوا عليها قبل هذه الحالة لما تألموا.
وقلنا : الآية مخصومة بالمكلفين بالسباق والسياق وهو ﴿ وَيَعْفُوا عَن كَثِيرٍ ﴾ [الشورى : ٣٠] أي من الذنوب فلا يعاقب عليه أو عن كثير من الناس فلا يعاجلهم بالعقوبة، وقال ابن عطاء : من لم يعلم أن ما وصل إليه من الفتن والمصائب باكتسابه وأن ما عفا عنه مولاه أكثر كان قليل النظر في إحسان ربه إليه.
وقال محمد بن حامد : العبد ملازم للجنايات في كل أوان وجناياته في طاعته أكثر من جناياته في معاصيه لأن جناية المعصية من وجه وجناية الطاعة من وجوه والله يطهر عبده من جناياته بأنواع من المصائب ليخفف عنه أثقاله في القيامة، ولولا عفوه ورحمته لهلك في أول خطوة، وعن علي رضي الله تعالى عنه : هذه أرجى آية للمؤمنين في القرآن لأن الكريم إذا عاقب مرة لا يعاقب ثانياً وإذا عفا لا يعود ﴿ وَمَآ أَنتُم بِمُعْجِزِينَ فِى الارْضِ ﴾ [العنكبوت : ٢٢] أي بفائتين ما قضى عليكم من المصائب ﴿ وَمَا لَكُم مِّن دُونِ اللَّهِ مِن وَلِىٍّ ﴾ [البقرة : ١٠٧] متول بالرحمة ﴿ وَلا نَصِيرٍ ﴾ [البقرة : ١٠٧] ناصر يدفع عنكم العذاب إذا حل بكم.
﴿ وَمِنْ ءَايَـاتِهِ الْجَوَارِ ﴾ [الشورى : ٣٢] جمع جارية وهي السفينة في الحالين : مكي وسهل ويعقوب، وافقهم مدني وأبو عمر في الوصل ﴿ الْجَوَارِ فِى الْبَحْرِ كَالاعْلَـامِ ﴾ [الشورى : ٣٢] كالجبال.